مراحل التفسير ومناهجه

يمكن القول بأن علم التفسير مر بعدة مراحل كان لكل مرحلة منهاجها العلمى الموافق لاحوال الزمان والمكان للانسان وعلى مبلغ تفتح القلوب واستنارة

العقول التى استجابت لدولة العلم في تطورها واتساع آفاقها وازدهار ثمارها، وهذه المراحل هى:

أولا: مرحلة التفسير المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: مرحلة التفسير المأثور عن أقوال الصحابة وتلاميذهم من التابعين.

ثالثا: مرحلة التفسير المعتمد على اللغة لانها أداة التعبير.

رابعا: مرحلة التفسير المعتمد على رأى التابعين وتأويلاتهم واجتهاداتهم.

خامسا: مرحلة التفسير العصرى لبعض الآيات ذات المفاهيم العلمية أو التشريعية.

في ضوء العلوم الحديثة التى اتسع مجال أبحاثها وما زال يتسع يوما بعد يوم.

وإليك توضيحا لكل مرحلة منها: التفسير المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم: كان النبى صلوات الله وسلامه عليه هو المفسر الاول للقرآن وكان تفسيره شاملا لكل ما جاء فيه من عبادات ومعاملات ومعتقدات وكل ما يتعلق بالمجتمع الانسانى، ابتداء من الاسرة إلى الجماعة إلى الامة وعلاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة المسلمين بغيرهم من الامم في الحرب والسلم، وقد وردت عن النبى أحاديث صحيحة توضح وتفسر ما جاء في القرآن زيادة في الايضاح والبيان وهى الاحايث المتواترة بالسند الصحيح ولذلك كانت السنة النبوية خير مفسر للقرآن الكريم.

التفسير المأثور عن أقوال الصحابة وتلاميذهم والتابعين لهم: يعتمد هذا التفسير أولا وقبل كل شئ على ما سمعه الصحابة من مفسره الاول وهو النبى صلى الله عليه وسلم، وقد حفظوا هذا التفسير ووعوه لانهم كانوا

أول من سمع القرآن عقب نزوله والنبى يتلوه عليهم، وكانوا أول من علموا أسباب نزول كل آية ومناسباتها، وكان ذلك خير معين لهم على فهم المقصود من كل آية فهما صحيحا، وكانوا يعنون كل العناية بتفسير كل ما يتعلق بالامور الدينية من حيث العقائد والعبادات وأركان الاسلام وأصوله وأحكامه لان هذا في نظرهم هو جوهر الدين، وما كانوا يشغلون عقولهم بالحقائق الكونية وأسرارها ونواميسها ولا يفكرون في أمرها إلى بقدر ما تدل عليه في نظرهم من قدرة الله تعالى وعظمته، وما كانوا يهتمون بالقصص القرآنى ولا الخوض في شئ من أخباره إلا بقدر ما أتى به القرآن ولا يتعدون نطاقه ولا يلتفتون إلى ما يقوله القصاص الذين زادوا فيه كلاما دخيلا عليه من الاسرائيليات وخلافها.

التفسير القائم على اللغة ومعاجمها اللغوية: إن معرفة اللغة العربية هى بلا شك الاساس في فهم القرآن لان الالفاظ القرآنية في ذاتها هى الوعاء له وهى أداة التعبير عن معانى القرآن وأهدافه ولا يمكن الاستغناء عن معرفتها، ومعلوم أن القبائل العربية وقت نزول القرآن لم تكن موحدة اللغة أو اللهجة بل كانت لكل قبيلة ألفاظها وتعابيرها الخاصة بها في إطار اللغة العربية العام، وقد امتازت قبيلة قريش بأنها وسط بين هذه اللغات واللهجات ولذا أنزل القرآن بها لانها أقومها لسانا، وأعذبها بيانا، ولذلك كانت لغة القرآن هى أصح وأدق الاصول اللغوية والبيانية وصارت هى المقياس والميزان لكل ما يراد الاستشهاد على صحة عربيته.

وقد اتجهت عناية المسلمين وغيرهم من المستشرقين إلى دراسة مفردات القرآن الكريم وشرحها ووضع المعاجم والفهارس لالفاظه الغريب منها وغير الغريب للدلالة على معانيها لان القرآن أتى بألفاظ جديدة لم تكن معروفة ولا مألوفة قبل

الاسلام ولها مدلولات خاصة مثل كلمات الشرك والنفاق والصور والحشر والاعراف والصراط والعرش والكرسى وغيرها مما لا عهد للعرب بها، وقد وضح النبى معانيها بجلاء للصحابة وغيرهم، وقد استعمل القرآن ألفاظا من لغات أخرى مثل كلمات الجبت وحصب وأرائك وهى ألفاظ حبشية، وكلمات السجل والسرادق وزنجبيل وهى ألفاظ معربة من الفارسية، وكلمات قسط والرقيم والدراهم وفردوس وهى كلمات رومية الاصل، وكلمات صلوات ولينا وفوم وهى من أصل عبرى، وأمثال هذه الكلمات الغربية أصلا والدخيلة على اللغة العربية لابد لها من معاجم تبين المقصود منها، هذا مع ملاحظة أن أمما كثيرة غير عربية دخلت الاسلام وهى لا تعرف العربية كما أن عامة المسلمين الذين لم ينالوا قسطا كافيا من الثقافة بحاجة شديدة إلى فهم معانى الالفاظ القرآنية من المعاجم اللغوية التى هى خير وسيلة لشرحها.