مؤلفات الإمامية حول القرآن الكريم

قراءة في بدايات حركة التأليف

يشهد التاريخ الثقافي لعلماء الإماميّة بحضورهم الفعّال في ترسيخ وتوسيع نطاق العلوم والمعارف المختلفة: دراسةً، وتدريساً، وتأليفاً.. بما تتضمن هذه العمليات الثلاث من تأسيس وإضافة ومزيد بَلوَرة .
وقد اختصّت بعض المصادر ببيان مواقع علماء الإمامية العلمية وحركتهم التأليفية في تنمية وازدهار المعارف والعلوم الإسلاميّة المتنوعة. من هذه المصادر: كتاب ( تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ) الذي ألّفه العالم المتعمق السيّد حسن الصدر ( ت 1354هـ / 1935م ) وطبع في بغداد سنة 1370 هـ .
وكانت علوم القرآن الكريم من الميادين الكثيرة التي كان للإماميّة فيها مشاركات وإبداعات رائدة .

علوم القرآن

من مزايا العلماء في مدرسة أهل البيت عليهم السّلام أنّهم كانوا من المتقدّمين في التأليف حول القرآن الكريم وعلومه، عدا الحركة التفسيرية التي كانوا أكثر عناية بها وأوفر تأليفاً .
ومن النماذج المتقدمة في هذا المجال نشير إلى نصّ مجهول المؤلف ولا يحمل عنواناً خاصاً، عُرف فيما بعد بـ ( تفسير النعماني ).. الذي يُرجَّح أن يكون تأليفه لا يسبق القرن الثالث الهجري بكثير. ويُلاحَظ في هذا الكتاب ـ إلى جوار عنايته ببيان أنواع الآيات القرآنية وفق النهج الروائي الإمامي ـ أنّ مؤلفه عُني في أقسام منه بمباحث أصولية مِن قبيل مباحث الألفاظ الخاصة والعامة. ويلوح في هذه المباحث أنّها جاءت أكثر نضجاً من كتاب ( الرسالة ) للشافعي .
وتزامناً مع تيار تدوين المباحث القرآنية في القرن الرابع الهجري.. ثمّ إيجاد إنجازات مهمة، في البيئة الإمامية، كان لها دَور بارز في بناء أساس هذه المباحث وإقامة ركائزها، لا في البيئة الإماميّة فحسب.. بل تخطّت ذلك لتتّسع إلى مستوى العالم الإسلامي كلّه .
من هذه الإنجازات مثلاً: كتاب « مقدمات علم القرآن » الذي ألّفه محمد بن بحر الرهني ( ت حوالي سنة 330 هـ ) ( يُنظر: سعد السعود لابن طاووس 279 ـ 281 ) و « نوادر علم القرآن » لمؤلفه محمد بن أحمد الحارثي ( أوائل القرن الرابع ) ( ينظر : رجال النجاشي 382 ) و« خصائص علم القرآن » للوزير المغربي ( ت 418 هـ ) ( رجال النجاشي 69 ) و« مفتاح التفسير » لمحمد بن عليّ الحمداني الذي كان حياً عام 484 هـ ( فهرست منتجب الدين 161. التدوين في أخبار قزوين للرافعي 426:1 ) (1).

القراءات القرآنية

فيما يتصل ببواكير التأليف في القراءات لابدّ من الإشارة إلى موقع العالم الإمامي أبان بن تَغلِب البكري ( ت 141 هـ ) الذي كان من تلاميذ الإمام الصادق عليه السّلام. وقد عُرف أبان بكونه صاحب قراءة مختارة ( ينظر: رجال النجاشي 11. غاية النهاية لابن الجزري 4:1 ).
وحين تبلوَر التأليف في القراءات السبع عند مطلع القرن الرابع الهجري.. عمد ابنُ الحجّام ( من علماء الإمامية ) إلى تأليف كتابين في القراءة، أحدهما اسمه: « قراءة أهل البيت عليهم السّلام »، والآخر: « قراءة أمير المؤمنين عليه السّلام »( الفهرست للطوسي 149 ـ 150 ). وفي هذه الحِقبة نفسها أورد محمد بن بحر الرهني في كتابه « مقدمات في علم القرآن » بحوثاً عن القراءات واختلاف المصاحف ( لاحظ مثلاً: سعد السعود 279 ـ 281 ).
ونلتقي فيما بعد بشخصيات أخرى من مثل ابن خالَوَيه ( ت 370 هـ ) وأبي العلاء الهمداني ( ت 569 هـ ).. اللذين كان لهما موقع خاص في علم القراءات، إلاّ أنّ ارتباطهما بمذهب الإماميّة لم يكن موضع اتفاق .
وعلى أيّ حال.. فانّ تاريخ الحركة العلمية القرآنية لدى الإماميّة يكشف عن أن هذه الحركة ـ بعد التحولات التي طرأت على مدرسة ( الحِلّة ) ـ قد دلّت على مزيد من العناية بالمؤلفات المختصة بالقراءات في العالم الإسلامي. ومن هنا نقرأ في إجازات علماء الإماميّة أسماء لكتب القراءات المشهورة، مثل: « التيسير » لأبي عمرو الداني، و« التلخيص » لأبي معشر الطبري ( لاحظ مثلاً: الاجازة الكبيرة للعلاّمة الحلّي 129. الإجازة لابن أبي الرضا ـ ضمن كتاب بحار الأنوار 162:104 ـ 165 ).

البلاغة القرآنية

يُعدّ كتاب « تلخيص البيان في تبيين مجازات القرآن » للشريف الرضي أول كتاب من نوعه في هذا الموضوع ( طبع هذا الكتاب مرّات عديدة، لاحظ مثلاً: طبعة القاهرة سنة 1374 هـ ). وقد أعقبته الخطوة اللاحقة بعد وقت قصير، مِن قبل العالم الإمامي محمد بن جعفر المراغي ( أوائل القرن الخامس الهجري ) في كتاب ألّفه في ذكر المجاز من القرآن ( لاحظ: رجال النجاشي 394 ).

تفسير القرآن

من المقطوع به أن حركة التفسير الإماميّة قد ابتدأت منذ القرون الهجرية الأولى.. وما تزال مستمرة متواصلة لم تعرف الانقطاع .
ومن البدايات الأولى ما ظهر بعنوان تفاسير منسوبة إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام. منها: « تفسير الإمام الباقر عليه السّلام » برواية أبي الجارود ( لاحظ: الفهرست لابن النديم 36. تفسير علي بن إبراهيم القمّي، في مواضع كثيرة منه )، و« تفسير منسوب إلى الإمام الصادق عليه السّلام » برواية أبي عبدالرحمن السُّلَمي ( طُبع في ضمن: مجموعة آثار السلمي 22:1 ـ 63 ) ، و« تفسير يُنسب إلى الإمام الكاظم » (لاحظ: المناقب لابن شهرآشوب 107:3 وفي مواضع أخرى )، وآخر « منسوب إلى الإمام العسكري عليه السّلام » طبع عدة مرّات . هذا إضافة إلى الأحاديث والإشارات التفسيرية الكثيرة التي وردت مرويّة عن الأئمّة عليهم السّلام في مصادر عديدة، وجُمع أكثرها في أعمال تفسيرية متأخرة مطبوعة، مثل : تفسير« البرهان » للسيّد هاشم البحراني ( ت 1109هـ )، وتفسير« نور الثقلَين » للعروسي الحُوَيزي ( ت 1112 هـ ).
وعند بداية تدوين التفاسير الروائية، في القرن الثاني والثالث والرابع، برز اتجاه نحو هذا اللون من التفسير لدى الإماميّة أيضاً، ومن نماذجها الباقية: تفسير « فرات الكوفي »، وتفسير « عليّ بن إبراهيم القمّي » ، وتفسير « محمد بن مسعود العيّاشي ». ومن أهمّ النماذج التي فُقِدت أو فُقِد أغلبها : تفسير « أبي حمزة الثُّمالي »، وتفسير « جابر الجُعفي »، وتفسير « الحسين بن سعيد الأهوازي ». وهذه التفاسير غدت مصدراً لمفسّري الإماميّة التي أعقبوها في الزمان ( يُنظر مثلاً: تفسير فرات، والتبيان للطوسي، ومتشابه القرآن ومختلفه لابن شهرآشوب، في مواضع كثيرة من هذه الكتب ).
ومنذ القرن الرابع ازدهرت تفاسير موسومة بصبغة كلامية، نشير هنا إلى عدد منها: تفسير « ابن عبدك الجرجاني » ( لاحظ: رجال النجاشي 382 ) ، وتفسير « أبي منصور الصرّام »( لاحظ: الفهرست للطوسيّ 190 )، ورَدُّ الشيخ المفيد على تفسير الجُبّائي ( رجال النجاشي 401 )، و« التفسير الكبير » للشريف الرضي ( حقائق التأويل ) الذي لم يبقَ منه إلاّ قطعة هي المطبوعة المتداولة من هذا التفسير. ومنها أيضاً: التفسير الكبير المهم للشيخ الطوسي الذي يحمل عنوان « التبيان في تفسير القرآن » وهو مطبوع، وردّ سليمان الصهرشتي ( أواخر القرن الخامس الهجري ) على تفسير أبي يوسف القزويني من المعتزلة ( لاحظ: معالم العلماء لابن شهرآشوب 56 ).
وقد ظهر في البيئة الإماميّة ـ في القرن السادس الهجري ـ لون من التفسير الممتزج بالوعظ والتذكير، كان من ثمراته تأليف تفاسير باللغة العربية وباللغة الفارسية تختلف اختلافاً جوهرياً عن تفاسير المنهج الروائي، وتبتعد أيضاً عن تفاسير المنهج الكلامي.. ويُعدّ « روض الجِنان » لأبي الفتوح الرازي من أهمّ هذه التفاسير الإمامية. ومن المفيد أن نشير هنا إلى أسلوب المتكلمين التفسيري والتوسع في المباحث المتنوعة من قراءة وإعراب، وتناسب وسواها.. قد استمرّ حضورها في تفسير مجمع البيان للفضل بن الحسن الطبرسي ( ق 6 هـ ).
وقد واصلتْ حركة التأليف في تفسير القرآن الكريم لدى الإماميّة مسيرتها خلال التاريخ، معبّرةً عن مشارب واهتمامات شتّى، ما تزال خصبة مُنتجة إلى اليوم .

مصادر

1 ـ الإجازة: ابن أبي الرضا. ضمن الجزء 104 من بحار الأنوار للمجلسي، بيروت 1403 هـ / 1983 م .
2 ـ الإجازة الكبيرة: العلاّمة الحلّي. ضمن الجزء 104 من بحار الأنوار .
3 ـ التبيان في تفسير القرآن: الشيخ الطوسي. باهتمام أحمد حبيب قصير العاملي، النجف، مكتبة الأمين .
4 ـ التدوين في أخبار قزوين: عبدالكريم الرافعي. باهتمام عزيز الله العطاردي، طهران 1997م .
5 ـ تفسير علي بن إبراهيم القمّي. باهتمام طيّب الموسوي الجزائري، النجف 1387هـ .
6 ـ التفسير المنسوب إلى النعماني. ضمن الجزء 90 من بحار الأنوار، بيروت 1403 هـ / 1983م .
7 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آقا بزرگ الطهراني .
8 ـ الرجال : النجاشي. باهتمام موسى الشبيري الزنجاني، قم 1407 هـ .
9 ـ سعد السعود: علي بن طاووس. النجف 1369 هـ / 1950م .
10 ـ غاية النهاية: ابن الجزري. باهتمام برگشترسر، القاهرة 1352 هـ / 1933م .
11 ـ الفهرست: ابن النديم .
12 ـ الفهرست : الطوسي. تحقيق محمد صادق آل بحر العلوم، النجف، المكتبة المرتضوية .
13 ـ الفهرست: منتجب الدين الرازي. تحقيق عبدالعزيز الطباطبائي، قم 1404 هـ .
14 ـ متشابه القرآن ومختلفه: ابن شهرآشوب. طهران 1369 هـ .
15 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن: الفضل بن الحسن الطبرسي. صيدا 1333 هـ .
16 ـ مجموعة آثار أبي عبدالرحمن السلمي. جمع نصر الله پور جوادي، طهران 1990م .
17 ـ معالم العلماء: ابن شهرآشوب . النجف 1380 هـ/ 1961م .
18 ـ مناقب آل أبي طالب: ابن شهرآشوب. قم، المطبعة العلمية .