قيمة الزمن في القرآن الكريم

حسين الشامي

اعطى القرآن الكريم أهمية بالغة للزمن، فقد ارتبطت معظم العبادات في التشريع الإسلامي بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصلاة والصيام والحج، بحيث ان اداءها لا يتحقق إلاّ عن طريق الالتزام باوقاتها حسب اليوم والشهر والسنة.

(أقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر انَّ قرآن الفجر كان مشهودا) (1).

(شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان منكم مريضاً او على سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (2).

(يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) (3).

كما ان هناك العديد من الاحكام الشرعية التي ارتبطت بالمدة الزمنية، كعدة المرأة في حالة الطلاق او وفاة الزوج والكفارات في حالة ترك الصيام، او الاخلال في بعض مناسك الحج وبعض مسائل الجهاد وقتال المشركين واعداء الإسلام وغير ذلك من الاحكام الشرعية التي فرض فيها الله سبحانه وتعالى التقيد بالحساب الزمني كشرط في العبادة وصحة انجاز العمل.

(ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم الله ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم* وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوكم كافة واعلموا ان الله مع المتقين) (4).

(فاذا انسلخ الاشهر الحرُمُ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) (5).

_________________________

1ـ الاسراء: 78.

2ـ   سورة البقرة: 185.

3ـ   سورة البقرة: 189.

4ـ   سورة التوبة: 36.

5ـ   سورة التوبة:5.

(للذين يؤلون من نسائهم تربُصُ أربعة اشهر فان فاءوا فإن الله غفور رحيم) (1).

(والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاً يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا فاذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعلمون خبير) (2).

(واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن ان يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من امره يُسرا) (3).

(وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمناً إلاّ خطأً ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة الى اهله إلاّ ان يصدقوا فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة الى اهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً) (4).

(والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل ان يتماساّ ذلك توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا* فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذابٌ اليم) (5).

****

واذا تحولنا عن المضامين العبادية للوقت وارتباط عناصر الزمن بالتشريعات الإسلامية فاننا نلتقي مع تأكيدات كثيرة على اهمية الوقت، وذلك من خلال ما ابرزه القرآن الكريم في العديد من الآيات. حيث جعل الوقت يأخذ دلالات متعددة كالقداسة والموعظة والنعمة والتجربة وغيرها من الافكار والدلالات. وهي تشكل في محصلتها مفاهيم حركية رائعة للزمن. فالقرآن الكريم لم يتعامل مع الزمن من الزاوية الحسابية بل جعله قيمة حركية حية تتفاعل مع الإنسان في حياته الشخصية والعامة وحفزّه لان يتفاعل بدوره مع هذه القيمة بشكل دائم لا انقطاع له.

_________________________

1ـ   سورة البقرة: 226.

2ـ   سورة البقرة: 234.

3ـ   سورة الطلاق: 4.

4ـ   سورة النساء: 92.

5ـ   سورة المجادلة: 2 ـ 3.

لقد وردت في القرآن الكريم عدة آيات يقسم فيها الله تعالى بالزمن ومكوناته. الامر الذي يشير الى الاهمية الكبيرة التي اولاها الله سبحانه للزمن ولأجزائه وانه من القضايا المحترمة والمقدسة في الحياة والتي يجب النظر اليها نظرة واعية متفهمة. باعتبار ان الله تعالى اتخذها عنواناً يقسم به في بداية الكلام الذي يقرر فيه تعالى الحقائق التي يريدها. وفي معظم هذه الآيات الكريمة، لا يأتي القسم مفرداً انما متعدداً بذكر عدة اجزاء من الوقت في سياق الآية الواحدة او الآيات المتتالية.

(والعصر ان الإنسان لفي خسر) (1).

(والضحى والليل اذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) (2).

(والليل اذا يغشى* والنهار اذا تجلى* وما خلق الذكر والانثى* ان سعيكم لشتى) (3).

(والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها* والسماء وما بناها* والارض وما طحاها* ونفس وما سواها) (4).

ولعل سورة الشمس هي أكثر سورة تحتوي على اقسام متتالية لله تعالى في ظواهر الكون والزمان والمكان والنفس البشرية وما تنطوي عليه من عوامل الخير والشر.

(والفجر* وليال عشر * والشفع والوتر* والليل اذا يسرِ* هل في ذلك قسم لذي حجر) (5).

(فلا أُقسم بالخُنس* الجوار الكنَّس والليل اذا عسعس* والصبح اذا تنفس* انه لقول رسول كريم* ذي قوة عند ذي العرش مكين) (6).

(فلا اقسم بالشفق* والليل وما وسق اذا اتسق* لتركبن طبقاً عن طبق) (7).

ان هذا القسم الالهي بعناصر الزمن وتكراره في مواضع عديدة يشير الى الاهمية التي اولاها الله تعالى له من اجل ان يقف الإنسان المسلم على هذه الحقيقة، فيتأمل حركة الزمن بدقة ويستثمر الوقت بجدية على اعتبار ان القسم الالهي به يثير في الذهن عوامل الدراسة والتقصي. وفي قسم آخر من الآيات القرآنية، نلتقي مع الزمن في بعده المسيطر على الإنسان والحياة، حيث لا يكون بمقدور البشر التأثير على حركته والتحكم في وحداته، انما هو يمضي حسب القانون الكوني الذي وضعه الله تعالى، وبذلك سيطرت الوحدات الزمنية على الاشياء والكائنات حتى اصبح الزمان هو الاطار الذي لا يمكن للإنسان ان يتحداه ا يخترق قوانينه.

وحين نقرأ هذا القسم من الآيات، نلاحظ ان القرآن الكريم، جعل من الزمن مادة تأمل للإنسان من اجل ان يكتشف عظمة الله وقدرته كأساس لتثبيت ايمانه به سبحانه ومن ثمّ

_________________________

1ـ   سورة العصر: 2.

2ـ   سورة الضحى: 1 ـ 3.

3ـ   سورة الليل: 1 ـ   7.

4ـ   سورة الشمس: 1 ـ 4.

5ـ   سورة الفجر: 1 ـ 5.

6ـ   سورة التكوير: 15 ـ 20.

7ـ   سورة الانشقاق 16 ـ 19.

الالتزام بمنهجه العبادي الذي رسمه له. حيث نجد في هذه الآيات الكريمة تأكيداً على القدرة الالهية من خلال مفردة الوقت ووحدات عناصر الزمن، وضرورة التأمل فيها ودراستها بنظرة موضوعية متفحصة.

(ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب) (1).

(ان في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والارض لايات لقوم يتقون) (2).

(وهو الذي يحي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون) (3).

(يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لأولي الابصار) (4).

(وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا) (5).

(قل أرأيتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) (6).

(ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ان في ذلك لآيات لقوم يسمعون) (7).

(يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى ذلك الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) (8).

(الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيها والنهار مبصرا ان الله لذو فضل على الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون)

(9).

ان في هذه الآيات الكريمة اشارات واضحة تبين قدرة الله تعالى وفضله على عباده في خلقه الزمن على النحو الذي تتعدد فيه اجزاؤه حسب حركة الكواكب حول الشمس، وقد حثت هذه الآيات الكريمة الإنسان على التدبر في حكمة الله وقدرته ونعمه، وفي ذلك اشارة واضحة الى اهمية الوقت وأهمية اجزائه المتعاقبة في حركتها من ليل ونهار والتقسيمات الزمنية لكل منهما.

على انه لا يمكن القول ان هذه الخطابات القرآنية تنحصر دلالاتها في الجانب العقائدي فحسب، بل انها تمتلك دلالات اخرى دون شك. فالتأكيد القرآني على تعاقب الليل والنهار وان الله تعالى جعل الليل لباساً وجعل النهار معاشا، يفهم منها ضرورة احترام تقسيم الوقت.

_________________________

1ـ   سورة آل عمران: 190.

2ـ   سورة يونس: 6.

3ـ   سورة المؤمنون: 80

4ـ   سورة النور: 44.

5ـ   سورة الفرقان: 62.

6ـ   سورة القصص: 71 ـ 73.

7ـ   سورة الروم: 23.

8ـ   سورة فاطر: 13.

9ـ   سورة غافر: 61.

وهو ما يرتبط بالجانب الحياتي اليومي للإنسان. حيث جعل الله سبحانه الليل راحة للعباد ومحطة قصيرة للاستراحة. حتى ينطلقوا في نهارهم في ساحات العمل وشؤون الحياة وهي الدائرة الواسعة التي تستوعب طاقاتهم وقدراتهم ونشاطاتهم. ان في التعاقب الثابت لليل والنهار رتابة زمنية لانها تتكرر كل يوم. لكن هذه الرتابة تتحول الى حالة ايجابية كبيرة من خلال تقسيم الوقت تبعاً للاعمال التي يقوم بها الإنسان. فهو في سعيه لتلبية احتياجاته الحياتية، وفي توجهه نحو اهدافه الكبيرة التي رسمها الله تعالى له. لا يجد في تعاقب الليل والنهار حركة مملة، بل يجد فيها حركة ضرورية تخدم سعيه ومشاريعه ونشاطاته. لانها توفر له امكانية تقسيم الاعمال بين ما هو شخصي او عام. وبين ما هو لشؤون المعيشة او لشؤون الرسالة فيجد في هذا التعاقب فرصة الراحة وفرصة العمل، ويستطيع من خلاله ايضاً ان يقدر الفترة الزمنية لمشاريعه. فيخطط وينفذ وفق تصور واضح لما يستغرقه نشاطه ومشروعه، وهذا ما يمكن تبيينه في الآيات الكريمة التي تصرح بان الله تعالى سخّر لعباده الشمس والقمر والليل والنهار. فهذه المفردات التي تحدد الوقت هي نِعمٌ الهية كبيرة جعلها الله سبحانه لخدمة عباده وترك لهم حرية اختيار الاسلوب والعمل ما دام منسجماً مع نهجه القويم وهادفاً الى كسب مرضاته.. غير ان التعاقب الثابت لاجزاء الوقت، قد يتسبب في غفلة الإنسان عن بعض شؤونه، فيهمل بعضها ويؤجل الآخر وتمر عليه الليالي والايام دون ان يلتفت الى مقدار الزمن الذي يمر عليه. وهذه من الحالات السائدة في حياة البشر. بل ان مشكلة الكثير من الناس هي عدم الاحساس بمرور عجلة الزمن لانهم الفوا التعاقب اليومي للعتمة والضوء.

ان الليل والنهار آيتان كبيرتان من آيات الله تعالى تفرضان على الإنسان ان يتعامل معهما بوعي ودقة لانهما يحددان حركة الزمن، وبالتالي يحددان عمر الإنسان والحياة مما يتوجب على الإنسان ان يكون دقيقاً في التعامل مع وقته، فليس بالامكان تعويض اليوم الضائع أبدا.

لقد اشار القرآن الكريم الى هذه الحقيقة في اكثر من موضع، حيث ربط بين حركة الزمن وبين عمل الإنسان يقول عزّ وجّل:

(وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا * وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (1).

في هذه الآيات القرآنية مضامين عالية ومفاهيم حية، تبين اهمية الوقت في حياة الإنسان، فتعاقب الليل والنهار نعمة كبيرة وفرها الله للعباد، من اجل ممارسة نشاطاتهم في الدنيا ابتغاء لفضل الله. كما ان هذا التعاقب يضع الإنسان امام صورة واضحة لمدى الزمن حيث اصبح

_________________________

1ـ   سورة الاسراء: 12 ـ 14.

بمقدوره ان يقيس الفترة الزمنية بالسنين والشهور والأيام، وبذلك يمكنه ان يرصد مشاريعه فلا يضيّع عمره ولا يهمل وقته اذا ما عرف قيمته. ثمّ تحدث الآيات الكريمة بعد ذلك عن مسؤولية الإنسان في الحياة فهو مسؤول عن كل عمل قام به خلال سنوات العمر. وسيقف يوم القيامة امام الحساب الدقيق ليواجه حكم الله فيما عمله من خير او شر. والعجيب في التصور القرآني ان الإنسان هو الذي يقرأ كتابه بنفسه وفي ذك اشارة بليغة الى مدى تقصير الإنسان في حياته وتضيّعه لعمره ووقته وكفى بنفسه عليه حسيبا.

لقد ربط القرآن الكريم في مواضع عديدة بين الزمن وبين مصير الإنسان في الآخرة، على ضوء ما قام به خلال الحياة الدنيا، حيث يوضح القرآن الكريم ان الناس يوم الحساب ينظرون إلى حياتهم التي عاشوها في الدنيا. كانت سريعة خاطفة، وان العمر الطويل الذي قضوه على الارض لم يكن سوى فترة قصيرة ضئيلة.

ورغم ان هذه النظرة هي واقعية من الزاوية العلمية على اساس ان الزمن الارضي قليل جداً مقارنة بالزمن الكوني. الا ان الذي نفهمه ايضاً من الحديث القرآني في هذا الخصوص هو اثارة قيمة الوقت الحركية عند الإنسان، ووضعه امام حقيقة الزمن ومفرداته ليتحسس اهميته وحركته بدقة، فيشعر انه لا يمتلك وقتاً فائضاً ليضيعه، انما ايامه قليلة في الحياة الدنيا، وان عليه ان يحرص كل الحرص على كل ساعة من ساعات عمره. وهذا ما يوضحه لنا القرآن الكريم في العديد من الآيات التي تضع الإنسان امام حقيقة صارخة بشأن حركة الزمن.. حقيقة تثير الفزع في نفسه، وتحرك في داخله شعورا قلقا على مصيره، اذا لم يستثمر عمره لفعل الخير وبناء الحياة الطيبة.

(ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين) (1).

(يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون ان لبثتم إلاّ قليلا) (2).

(قل كم لبثتم في الارض عدد سنين. قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فسأل العادين. قل ان لبثتم إلاّ قليلا لو انكم كنتم تعلمون. أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً وانكم الينا لا ترجعون) (3).

(ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون. وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون) (4).

مما تقدم نكتشف بوضوح ان القرآن الكريم، اعطى للوقت اهمية كبيرة، وعالج حقيقة الزمن من ابعاد مختلفة تلتقي كلها في قاسم مشترك واحد، هو دور وأثرُ الزمن في حياة الإنسان. وقد حاولت الآيات القرآنية ان تحرك عند الإنسان احساسه الواعي من اجل ان يهتم

_________________________

1ـ   سورة يونس: 45.

2ـ   سورة الاسراء: 52.

3ـ   سورة المؤمنون: 112 ـ 115.

4ـ   سورة الروم: 55 ـ 56.

بعمره وان يتعامل مع وحدات الزمن بحرص وموضوعية لئلا يمر عليه يوم دون ان يستثمره في نشاط ايجابي يقدم فيه الخير لنفسه ومجتمعه، حتى ورد في الحديث الشريف «ما من يوم ينشق فجرهُ إلاّ وينادي يا ابن آدم انا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فاني لا اعود الى يوم القيامة».

وكذلك في حديث آخر «من تساوى يوماه فهو مغبون. ومن كان أمسه افضل من يومه فهو ملعون». وفي حديث اكثر حركية وتسابقاً مع حركة الزمن: «لو قامت قيامة احدكم وكان بيده فسيلة فليغرسها».

انه المنهج الإسلامي الفريد الذي يعمّق الاحساس بالمسؤولية ويزرع في النفس الشعور بقيمة الوقت واستثمار كل وحدُة من وحدات الزمن التي تمر سريعة في حياة الإنسان. وما اجمل ما قرأت عن قيمة الوقت لمالك بن نبي في كتابه «شروط النهضة» حيث يعتبر الوقت من العناصر الاساسية في بناء الحضارة اضافة الى عنصري الإنسان والتراب فيقول:

الزمن نهر قديم يَعبر العالم منذ الازل ولكنه صامت، حتى إننا ننساه احياناً، وتنسى الحضارات، في ساعات الغفلة او نشوة الحظ قيمته التي لا تعوّض. ومع ذلك ففي ساعات الخطر في التاريخ، تمتزج قيمة الزمن بغريزة المحافظة على البقاء، اذا استيقظت، ففي هذه الساعات التي تحدث فيها انتفاضات الشعوب لا يقوّم الوقت بالمال كما ينتفي عنه معنى العدم، انه يصبح جوهر الحياة الذي لا يقدّر. وبتحديد فكرة الزمن، يتحدد معنى التأثير والانتاج، وهو معنى الحياة الحاضرة التي ينقصنا.. هذا المعنى الذي لم نكسبه بعد، هو مفهوم الزمن الداخل في تكوين الفكرة والنشاط في تكوين المعاني والاشياء.

فالحياة والتاريخ الخاضعان للتوقيت كان وما يزال يفوتنا قطارهما، فنحن في حاجة ملحة الى توقيت دقيق وخطوات واسعة، لكي نعوض تأخرنا.

وانما يكون ذلك بتحديد المنطقة التي ترويها ساعات معينة من الاربع والعشرين التي تمر على ارضنا يومياً.

ان وقتنا الزاحف صوب التاريخ لا يجب ان يضيع هباء، كما يهرب الماء من ساقية خربة. ولاشك ان التربية هي الوسيلة الضرورية لتعلم الشعب العربي والإسلامي تماما قيمة هذا الامر، ولكن بأية وسيلة تربوية؟

ان من الصعب ان يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب. ومع ذلك فكل علم له مرحلته التجريبية التي تتصف بالاحتمال والمحاولة»(1).

_________________________

1ـ   مالك بن نبي: شروط النهضة ص 139 ـ 140 ط. دار الفكر.