ولاية اللّه

الشيخ محمد مهدي الآصفي

بسم الله الرحمن الرحيم

(اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يُخرجونهم من النور إلى الظلمات)(1).

(الولي) وصف للّه تعالى تجاه عباده، ووصف للعباد تجاه اللّه فهو من الأوصاف المشتركة المتقابلة.
في الجانب الأول يقول تعالى: (إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا)(2).
ويقول تعالى: (أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين)(3).
وعن ولاية العباد للّه تعالى يقول تعالى: (ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(4).


(1) البقرة: 257.
(2) المائدة: 55.
(3) الاعراف: 55.
(4) يونس: 62.

وولاية اللّه تأتي بمعنيين:
الولاية بمعنى الحكم والأمر والسيادة.

يقول تعالى: (إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا).

والولاية بمعنى التدبير والرعاية.
يقول تعالى: (اللّه ولي الذين آمنوا يُخرجهم من الظُلمات إلى النور).
ونحن نقصد بـ (ولاية اللّه) في هذه المقالة... هذا المعنى الأخير.
ولابد من توضيح لهذه النقطة.
خلق اللّه تعالى الناس ووهبهم العقل والمعرفة ليؤمّن لهم معاشهم ومعادهم ووهبهم العصمة التي تعصمهم من الذنوب، والحب والعاطفة الذي يؤلف بينهم وحب الأزواج والبنين الذي يجمع شملهم وألْهَمهُم الصدق والعدل والحق، وغرس في نفوسهم الفطرة التي يعرفون بها الهدى عن الضلال ورزقهم الغيرة والغضب والألفة والإرادة والعزم والشجاعة ورزقهم كل ما يحتاجون إليه في حياتهم الفردية والاجتماعية وفي دنياهم وآخرتهم ورزقهم من الطيبات من كنوز الأرض في البر والبحر ما يغنيهم ويكفيهم وحملهم في البر والبحر... وكل ما يحتاجه الإنسان من رزق، وطعام، وشراب، ولبس، وايواء، وسكن، وعلاج، وطب ، وعلّمهم ما لا يعلمون، ورزقهم غير ذلك مما يحتاجون إليه وهو كثير كثير.
ولكن مع ذلك لم يكلهم اللّه تعالى إلى أنفسهم، وإنما تولاهم برعايته وتأييده وتسديده بصورة دائمة، ولولا أن اللّه تعالى يتولى الإنسان في حياته الاجتماعية والفردية بالرعاية والتدبير والتوفيق والتسديد لسقط الإنسان واختلت حياته، فما أكثر ما يصل الإنسان إلى حافّة السقوط والهلاك، سواء في حياته الفردية أو الإجتماعية، ولكن اللّه تعالى يدركه في اللحظة المناسبة ويتولاه برعايته وفضله بالتدبير والتسديد والإنقاذ والخلاص... وقد عاصرنا نحن في كل التقادير حربين

كونيتين وصل الإنسان فيه إلى حافة السقوط والهلاك لولاه تدركه رحمة اللّه، وتنقذه، وتسلمه.
وما يقال في الحياة الإجتماعية يقال في الحياة الفردية. وكل واحد منّا قد مرَّ بأمثال هذه الحوادث في حياته، ولمس فيها رعاية  اللّه تعالى وتدبيره وتسديده وتوفيقه وانقاذه له، لو أمعن النظر في ذلك.
وهذه الحالات الكثيرة من التدبير والرعاية الالهية لعباده في الغرائب والشدائد والتوفيق والتسديد الالهي هي ما نقصده من الولاية الالهية العامة والخاصة، في حياة الناس عامة، وفي حياة المؤمنين  خاصة.
وهذه (الولاية) هي أمر وراء ما رزق اللّه تعالى الناس بالخلق والتكوين.
فان اللّه تعالى هو الخالق المدبّر، يخلق الخلق ويرزقهم ما يحتاجون ثم لا يكلهم إلى أنفسهم، وإنما يواصل تدبيرهم ورعايتهم بعد ذلك... وهي الولاية الالهية.
بعكس النظرية اليهودية إلى تقرر أن اللّه تعالى خلق الخلق وأعطاهم ما يحتاجون ثمّ أوكلهم إلى أنفسهم وتركهم لشأنهم، وهي المقولة اليهودية المعروفة التي يشجبها القرآن: (قالت اليهود يد اللّه مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان).