الشكر والسكر

وبعكس ذلك، عندما ينتفي هذا الوعي عند الإنسان يكبر الأنا ويبرز ويحتل مساحة واسعة من حياته وشعوره ونفسه، وتختفي حالة العبودية. وهي حالة "السكر" في مقابل "الشكر". فإن الشكر هو الإحساس الواعي بفقر الإنسان إلى الله وحاجته إلى الله تبارك وتعالى.
أما "السكر" فهو حالة معاكسة من طغيان الأنا وغناه عن الله تعالى، وبروز الأنا والبطر والرئاء في حياة الإنسان.
و"الشكر" و"السكر" ينطلقان من رؤيتين مختلفتين تمام الاختلاف. فالشكر ينشأ من الإحساس بالفقر إلى الله، والسكر ينشأ من الإحساس الكاذب بالاستغناء عن الله.
والشكر حالة نابعة من التعلق والارتباط بالله والسكر حالة ناشئة من الانقطاع والانفصال عن الله.
ومن عجب أن "الشكر" و"السكر" كلاهما ينشآن من النعمة. فإن النعمة إذا حلّت في النفوس الواعية والمؤمنة تمخض عنها الشكر. وإذا حلت في النفوس الجاهلة والغافلة تمخض عنها السكر:
(والبلد الطيبُ يخرجُ نباته بإذنِ ربهِ والذي خبث لا يخرجُ إلاّ نكداً).
وأول ما نجد التنبه إلى علاقة السكر بالنعمة في النصوص الإسلامية في كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حيث يخاطب المسلمين العرب بعد أن فتح الله سبحانه وتعالى عليهم البلاد، وأغدق عليهم النعمة، وانتعشت حياتهم الاقتصادية، فيقول (عليه السلام):
"ثم إنكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت، فاتقوا سكرات النعمة واحذروا بوائق النقمة…" (1).

ويقول (عليه السلام) أيضاً:

"ذاك حيث تسكرون من غير شراب من النعمة والنعيم…" (2).

الشكر والدعاء

والشكر مفتاح الدعاء، ومن دون الشكر لا يتيسّر للإنسان أن يدعو الله تعالى كما ينبغي الدعاء. فإن حقيقة الدعاء هو الشعور بفقر الإنسان إلى فضل الله تعالى، وهذا الوعي لحاجة


(1) نهج البلاغة الخطبة رقم:187.
(2) دعاء الافتتاح.

الإنسان وفقره إلى فضل الله تعالى ورحمته هو أساس الطلب والسؤال من الله تعالى في الدعاء.
فالدعاء إذن بشكله الصحيح والواعي يتطلب إحساساً واعياً وعميقاً بالفقر والحاجة إلى فضل الله تعالى ورحمته.
والشكر يمكن الإنسان من وعي هذين الأمرين معاً: وعي الفقر الصاعد ووعي الرحمة النازلة.
ولذلك نجد أن الأدعية تبتدئ غالباً بالحمد والشكر والتذكير بنعم الله تعالى وفضله ورحمته على عباده.