عناصر العلاقة بالله

والنصوص الإسلامية تعطي للعلاقة بالله تعالى اهتماماً كبيراً، وتعتبر هذه العلاقة هي الأساس والمحور للشخصية الإسلامية، وتحدّد الأبعاد الأخرى للشخصية الإسلامية على ضوء
هذه العلاقة. والعناصر التي تتألّف منها علاقة العبد بالله تعالى مجموعة متناسقة من النقاط يتألّف منها طيف منسجم ومتناسب ومتعادل في العلاقة بالله سبحانه وتعالى.
ودراسة هذا الطيف وتحليله يحتاج إلى فرصة ودراسة أوسع من هذا المقال.
إلا أننا سوف نحاول أن نشير إلى مجموعة من النقاط التي تتألّف منها العلاقة بالله من
خلال النصوص الإسلامية في القرآن الكريم والحديث. وإليكم هذه الأضمامة من عناصر العلاقة بالله تعالى:

1ـ الخوف والخشية من الله

يقول تعالى: (وأما من خافَ مقامَ ربه ونهى النفسَ عن الهوى، فإنَّ الجنة هي المأوى)(النازعات:40ـ41).

(فلا تخشوهم واخشوني…)(البقرة:15).

2ـ التضرع

(تدعونه تضرعاً وخفيةً…)(الأنعام:63).

(واذكر ربكَ في نفسك تضرعاً وخيفةً)(الأعراف:205).

3ـ الإنابة

(وأنيبوا إلى ربكم)(الزمر:54).

(خرَّ راكعاً وأنابَ…)(ص:24).

4ـ الإخبات: التواضع والخشوع

(إنَّ الذين امنُوا وعملوا الصلحتِ وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحبُ الجنةِ…)(هود:23).

(…وبشرِ المُخبِتينَ)(الحج:34).

5ـ الحبّ

(قل إن كان ءاباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم و… أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي اللهُ بأمرهِ والله لا يهدي القومً الفسقينَ)(التوبة:24).(والذين أمنوا أشد حُبّاً للهِ…)(البقرة:165).

6ـ التقوى

(يأيها النبي اتقِ الله ولا تُطعِ الكفرينَ…)( الأحزاب:1).

7ـ الإستغفار

(…واستغفرُوا الله إن الله غفُورٌ رحيمٌ)(البقرة:199).

8ـ التوبة

(… فتُوبوا إلى بارئكم…)(البقرة:54).

(ويقومِ استغفروا ربكم ثُمّ توبوا إليه…)(هود:52).

9ـ الإعتذار والندم

"اللهم عظم بلائي، وأفرط بي سوء حالي، وقصرت بي أعمالي، وقعدت بي أغلالي، وحبسني عن نفعي بُعدُ أملي، وخدعتني الدنيا بغرورها، ونفسي بجنايتها، ومطالي يا

سيّدي…"(دعاء كُميل).

10ـ11ـ12ـ الإنكسار، الإستقالة، الإقرار والإذعان والإعتراف

"أتيتك يا إلهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي معتذراً نادماً، منكسراً مستقيلاً، مستغفراً منيباً، مقرّاً مذعناً معترفاً، لا أجد مفراً مما كان منّي، ولا مفزعاً أتوجه إليه في أمري غير قبولك عذري… اللهم فاقبل عذري وارحم شدة ضرّي…"(دعاء كُميل).
"أنت الساتر عورتي والمؤمن روعتي والمُقيل عثرتي…"(دعاء الأسحار)

13ـ الذلّ والمسكنة والإستكانة بين يدي الله

"هذا مقام العائذ بك من النار، هذا مقام المستجير بك من النار، هذا مقام المستغيث بك من النار، هذا مقام الهارب إليك من النار، هذا مقام من يبوء لك بخطيئته، ويعترف بذنبه…"(دعاء الأسحار).

15ـ16ـ البكاء، الإستغاثة والتوسل إلى الله

"فبعزتك يا سيدي أُقسم صادقاً لئن تركتني ناطقاً لأضجنَ إليك بين أهلها ضجيج الآملين، ولأصرُخنّ إليك صراخ المستصرخين، ولأبكينّ عليك بكاء الفاقدين، ولأنادينّك أين كنت يا ولي المؤمنين! يا غاية آمال العارفين! يا غياث المستغيثين!… أفتراك سبحانك… تسمع صوت عبد مسلم سجن فيها بمخالفته، وذاق طعم عذابها بمعصيته، وهو يضج إليك ضجيج مؤمل لرحمتك، ويناديك بلسان أهل توحيدك، ويتوسل إليك بربوبيتك…"(دعاء كميل).

17ـ الفقر إلى الله

"يا إلهي وسيّدي ومولاي ومالك رقي، يا من بيده ناصيتي، يا عليماً بضري ومسكنتي، يا خبيراً بفقري وفاقتي…"، "أنا الصغير الذي ربيته، وأنا الجاهل الذي علمته، وأنا الضال الذي هديته، وأنا الوضيع الذي رفعته، وأنا الخائف الذي آمنته"، فإليك يا ربّ نصبت وجهي وإليك يا ربّ مددتُ يدي".

18ـ الإستجارة بالله واللواذ بالله

"أجرنا من النار يا مجير"(دعاء المجير).

"هذا مقام المستجير بك من النار".

"وأنت جار من لاذَ بك"(دعاء يستشير).

"وقد خضعتُ بالإنابة إليك، ودعوت بالإستكانة لديك، فإن طردتني من بابك فبمن الوذ، وإن رددتني عن جنابك فبمن أعوذ؟"(مناجات التائبين).

19 ـ الفرار إلى الله

(ففروا إلى الله إني لكم منه نذيرٌ مبينٌ)(الذاريات:50).

20 ـ الإضرار إلى الله

(أمن يجيبُ المضطر إذا دعاهُ ويكشفُ السوءَ…)(النمل:62).

21 ـ الحياء من الله

"أنا يا ربّ الذي لم أستحيك في الخلأ، ولم أراقبك في الملأ، أنا صاحب الدواهي العظمى، أنا الذي على سيّده اجترى، أنا الذي عصيت جبار السماء…، أنا الذي أمهلتني فما ارعويت، وسترت عليّ فما استحييت"(أبو حمزة).

22 ـ التملق إلى الله

"إلهي أتراك بعد الإيمان بك تعذّبني! أم بعد حبّي إياك تُبعدني! أم مع رجائي لرحمتك وصفحك تحرمني! أم مع استجارتي بعفوك تسلمني! حاشا لوجهك الكريم أن تخيّبني… إلهي هل تسود وجوهاً خرت لعظمتك ساجدة، أو تخرس ألسُناً نطقت بالثناء على مجدك وجلالك، أو تطبع على قلوب انطوت على محبّتك، أو تصم أسماعاً تلذذت بسماع ذكرك، أو تغل أكفاً رفعتها الآمال إليك رجاء رأفتك، إلهي لا تغلق علي موحديك أبواب رحمتك، ولا تحجب مشتاقيك عن النظر إلى جميل رؤيتك" (مناجاة الخائفين).
"يا الله! لا تحرق وجهي بالنار بعد سجودي وتعفيري بغير من عليك، بل لك الحمد والمن والفضل"(دعاء الأسحار).

23 ـ الالتماس والترجي

"إلهي من الذي نزل بك ملتمساً قراك فما قريته، ومن الذي أناخ ببابك مرتجياً نداك فما أوليته" (مناجات الراجين).

24 ـ تحسيس النفس بالتقصير

"وهذا مقام من اعترف بسبوغ النعماء، وقابلها بالتقصير، وشهد على نفسه بالإهمال

والتضييع. إلهي تصاغر عند تعاظم آلائك شكري، وتضاءل في جنب إكرامك إياك ثنائي ونشري" (مناجاة الشاكرين).
"يا من يقبل اليسير، ويعفو عن الكثير، اقبل مني اليسير، واعف عني الكثير" (دعاء الأسحار).
"أفبلساني هذا الكال أشكرك، أم بغاية جهدي في عملي أرضيك، وما قدر لساني يا ربّ في جنب شكر، وما قدر عملي في جنب نعمك وإحسانك" (أبو حمزة).
هذه طائفة من العناصر التي تؤلف العلاقة بالله تعالى استخرجناها من نصوص القرآن والحديث والدعاء، وهذه بمجموعها تؤلف طيفاً زاهياً منسجماً ومتوازناً للعلاقة بالله تعالى.

25 ـ الذكر

(الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)(الرعد:28).
(يا أيها الذين أمنوا لا تلهكم أمولكم ولا أولدكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرونَ) (المنافقون:9).

26 ـ الأنس بالله

"وهب لي الأنس بك وبأوليائك وبأهل طاعتك. أجعل سكون قلبي وأنس نفسي واستغنائي وكفايتي بك وبخيار خلقك" (الدعاء21 من الصحيفة الكاملة للإمام زين العابدين).

27 ـ الشوق إلى الله

"وامنن عليّ بشوقي إليك، والعمل لك ما تحب" (الدعاء:21 من الصحيفة الكاملة).

وفيما يلي نحاول أن نشرح بعض مفردات هذه العناصر:

العبوديّة

والعبودية لله هي الأساس في علاقة الإنسان بالله تعالى وبالكون والمجتمع. وهي التي تحدد مركز الإنسان في الكون والمجتمع. وقد أعطى الإسلام العبودية موقعاً مركزياً في حياة الإنسان وتفكيره ومواقفه.
فهي تنعكس انعكاساً مباشراً وواضحاً، وتتحكم في سلوك الإنسان وعلاقاته ومواقفه وتصوراته، كما تنعكس على مشاعره وعواطفه، وحالة "العجب" في الإنسان من الحالات التي تتأثّر بالعبودية سلباً وإيجاباً بصورة مباشرة.
فإذا استقرت علاقة الإنسان بالله على أساس العبودية وما تستتبع من الانكسار والتضرع والتذلل بين يدي الله فسوف لا يملكه العجب ولا يكبر لديه الأنا وتغلب عليه صفة العبودية حتى تكون الصفة البارزة في كلّ تحركاته وتصرفاته.

ولقد كانت صفة العبودية بارزة في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى في طريقة جلوسه وكلامه، وكان يكره أن يتميز عن الآخرين في مجلس أو حركة فعابت عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة كانت مشهورة بسوء الأدب هذه الخصلة، وقالت له (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّ شيء فيك حسن إلاّ إنك تجلس مجلس العبيد، فقال لها (صلى الله عليه وآله وسلم) بعفوية وبساطة "ومن أعبَد منّي؟".
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
"ولقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته فيكون فيه التصاوير، فيقول: يا فلان! غيبيه عنّي، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا
وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحبّ أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتّخذ منها رياشاً، ولا يعتقدها قراراً، ولا يرجو فيها مقاماً، فأخرجها من النفس وأشخصها عن القلب، وغيّبها عن النظر. وكذلك من أبغض شيئاً أبغض أن ينظر إليه، وأن يذكر عنده…"(1).

ويحضرني من الشعر في صفة بعض المقاتلين:

سمة العبيد من الخشوع عليهم

للهِ إن ضمتهم الأسحار

فإذا ترجلت الضحى شهدت لهم

بيض النواصي أنهم أحرار

وواضح أن للعبيد سمة متميزة واضحة في حركتهم وسكونهم ومأكلهم ومشربهم وملبسهم وكلامهم وسكونهم.
يحكى عن بعض العارفين الزهاد المشهورين أنه كان قبل أن يتوب من أهل الترف والبذخ، وكانت له ليالٍ حمراء عامرة بالشرب والطرب، فمرّ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) على داره ذات يوم ولفت نظره ضجة الغناء والطرب والسكر، فسأل عن صاحب البيت، فأجابته أمة من خادمات البيت، فسألها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): هو حرّ أم عبد؟ فلم تفهم الخادمة مغزى كلام الإمام (عليه السلام) وقالت: كيف يكون عبداً وهو يملك المئات من العبيد والإماء.
فقال لها الإمام: أجل، لو كان عبداً لم يفعل هكذا، وذهب لشأنه فسمع الرجل الحوار الذي


نهج البلاغة الخطبة رقم:160.

جرى بين الإمام والخادمة، وفهم مغزى كلام الإمام، فأسرع في طلب الإمام وخشي أن لا يدركه، فخرج حافياً حتى لحق بالإمام وتاب على يديه، فعرف بالحافي بعد ذلك، واشتهر أمره وذكره في العارفين والزاهدين.
والذي يقرأ سمات الشخصية الإسلامية في النصوص الإسلامية يجد أن صفة العبودية هي الصفة المحورية في الشخصية الإسلامية.
يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في صفة المتقين:
"عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم. فهم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذّبون. قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونه، وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة…، أمّا الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلاً، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، وأما النهار فحلماء
علماء أبرار أتقياء، قد براهم الخوف بري القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض".
ويقول: "لقد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم: فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتحملاً في فاقة، وصبراً في شدّة، وطلباً في حلال، ونشاطاً في هدى وتحرجاً عن طمع…"(1).