نقد التفسير في عصر الصحابة والتابعين

يجدر بنا - ونحن نريد ان نمحّص نتاج هذه المرحلة التفسيرية - أن نستذكر حصيلة أبحاثنا السابقة فيما يتعلق بالمحتوى الداخلي لرجال المرحلة من الصحابة والتابعين. ذلك لان المعرفة التفسيرية تتأثر بطبيعة الحال - بخصائص هذا المحتوى ومقوماته لانها عطاؤه ونتاجه.

ولا بد لنا قبل هذا من أن نتعرف على هذا المحتوى الداخلي فنقسمه الى جانبين رئيسين :

_____________________
(*) حينما ندرس التفسير في عصر الصحابة والتابعين لا يفوتنا أن نؤكد على أمرين منعاً لما يمكن أن يقع فيه البعض من الالتباس :
1 - اننا ندرس الصحابة على أساس المستوى العام الذي كان يتمتع به هؤلاء الرجال والذي كان يمثل روح ذلك العصر من ناحية فكرية واجتماعية، وهذا لا يعني وجود بعض الرجال من الصحابة والتابعين ممن كانوا على درجات متفاوتة وكبيرة من الوعي والاخلاص والعلم.
2 - لا يمكننا - بالرغم من كل نقاط الضعف التي اصيبت بها المعرفة التفسيرية في عصر الصحابة والتابعين - ان ننكر عظيم الخدمات التي قام بها هؤلاء الرجال والعطاء الذي وهبوه للمعرفة التفسيرية. الشيء الذي كان موضع استلهام كثير من المدارس التفسيرية حتى عصرنا الحاضر.

{ 114 }

الاول : الجانب الفكري، ونعني به مقدار الثقافة الاسلامية التي كان يتمتع بها الصحابة وما يستلزم ذلك من وعي وشعور بالمسؤولية تجاه الثقافة ومعرفة الاساليب العملية لحمايتها.

الثاني : الجانب الروحي، ونعني به درجة التفاعل مع الثقافة الاسلامية والامتزاج الروحي والوجداني بها ومدى الايمان بصحتها والاخلاص لها.

وبهذا الصدد عرفنا سابقاً : ان الصحابة بالنسبة الى الجانب الاول كانوا على جانب من السذاجة الفكرية وذلك بحكم ان الرسول الاعظم (ص) لم يخطط الى تهيئة الصحابة لقيادة التجربة الاسلامية بشكل رئيسي وانما أوكل القيادة الى أشخاص معينين هيأهم لهذه المهمة القيادية(1) ولكنهم اقصوا عنها بعد وفاة الرسول(2). فكان من نتائج ذلك :

أ - عدم استيعاب الصحابة للثقافة الاسلامية، نتيجة لعدم تفسير الرسول الاعظم للقرآن بشكل شامل على المستوى العام.

ب - سذاجة الصحابة في ضبط وحماية أقوال الرسول وسلوكه.

ج - بقاء الصحابة على سذاجتهم الفكرية وميلهم للبساطة وعدم التعمق وتأثرهم في فهم الاسلام باطاراتهم الفكرية الخاصة.

وكما عرفنا - سابقاً - ان الصحابة بالنسبة الى الجانب الثاني كانوا مختلفين في درجة الانفعال بالثقافة الاسلامية والاخلاص لها نتيجة لمختلف الظروف الموضوعية التي أحاطت ظروف انتمائهم الى الاسلام واتصالهم بالنبي (ص) ومدى طموحهم وآمالهم. وقد رجعت الامة الى جميع هؤلاء

_____________________
(1) راجع التفسير في عصر الرسول.
(2) ذكرنا ذلك في التمهيد من تاريخ التفسير.

{ 115 }

دون تمييز بين المخلصين منهم أو الاقل اخلاصاً أو المنافقين. فكان من نتائج ذلك تأثر الثقافة الاسلامية التي اعطيت للمسلمين من قبل الصحابة :

أ - بالاتجاهات السياسية المختلفة التي عاشتها تلك الفترة.

ب - بالاتجاهات المصلحية ذات الطابع الشخصي أو القبلي.

مظاهر هذه النتائج في المعرفة التفسيرية

وقد تأثرت المعرفة التفسيرية بهذه النتائج التي فرضها المحتوى الداخلي للصحابة على الثقافة الاسلامية فاتسمت بدورها بنفس نقاط الضعف التي اتسمت بها الثقافة الاسلامية بشكل عام.

ومن أجل أن نحدد هذه النقاط ونوضح مدى تأثير المعرفة التفسيرية بها يجدر بنا أن نذكر بعض الشواهد من المعرفة التفسيرية على مظاهر نقاط الضعف. ولنأخذ كل واحد منها بشكل مستقل.

أولاً - عدم استيعاب الصحابة للثقافة الاسلامية :

لسنا بحاجة هنا الى أن نرجع مرة اخرى لنعرف مدى صحة هذا الحكم بعد أن عرفنا ذلك في بحث (التفسير في عصر الرسول) ولا نريد هنا الا ان نبحث عن المظاهر التي أشاعتها في المعرفة التفسيرية نقطة الضعف هذه، ويمكن أن نلخص ذلك في النقاط التالية :

أ - ان طبيعة المرحلة التي عرفناها سابقاً وهي مواجهة القرآن الكريم كمشكلة لغوية يمكن أن ترجع ببعض جوانبها الى هذه النقطة. لان الصحابة حين فقدوا العنصر الخارجي الذي كان من الممكن أن يساهم في معرفتهم التفسيرية مساهمة فعالة كان من الطبيعي أن ينحصر نتاجهم التفسيري بما يقتضيه المحتوى الداخلي لهم. ولم يكن ذلك المحتوى بالمستوى الذي يمكنه أن يواجه القرآن الكريم بشكل أعمق من المشكلة اللغوية فجاءت المرحلة وهي لا تعنى بكثير من الجوانب العقلية والاجتماعية التي اهتمت بها مراحل متأخرة.

{ 116 }

ب - انفتاح باب الرأي والاستحسان الامر الذي أدى الى نتائج خطيرة في المعرفة التفسيرية وانتهى الى ظهور الصراع التاريخي بين مذاهب التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي. ولعلنا نوفق لدراسة هذا الصراع وأسبابه بشكل خاص.

ج - اعتماد الصحابة على أهل الكتاب في تفسير القرآن لأن السبب الرئيسي لوقوع الصحابة في مثل هذه المفارقة هو الفراغ الذي كانوا يعانونه في المعرفة التفسيرية نتيجة لعدم الاستيعاب من جانب والمتطلبات الفكرية التي كانت تواجههم كقادة فكريين من جانب آخر. وسوف نعرف قريباً مدى الخطأ الذي وقع فيه بعض الصحابة نتيجة هذا الرجوع منهم الى هذا المصدر في التفسير.

د - بعض المضاعفات التي سوف نتعرف عليها في نقاط الضعف الآتية حيث كان من الممكن تفادي هذه الاخطاء لو تهيأت للصحابة الظروف التي تجعلهم في مستوى الثقافة الاسلامية في التفسير. ومن هذه المضاعفات تأثرهم ببعض الاطارات الفكرية الخاصة في تفسيرهم للقرآن، أو فهمهم للاستعارة القرآنية بشكل آخر لا ينسجم مع الواقع القرآني. بسبب عدم اطلاعهم على الاطار الفكري لتلك الاستعارة القرآنية.

ثانياً - سذاجة الصحابة في ضبط وحماية المعرفة الاسلامية

لم يكن أكثر الصحابة في عصر الرسول الاعظم يتمتعون بالمقدار الكافي من الوعي للظروف والمضاعفات وما يستدعيه مرور الزمن وانتهاء عصر الوحي من وضع ضمانات لحماية المعرفة التفسيرية وغيرها من المعرفة الاسلامية وضبطها. فنجم عن هذا الاهمال مجموعة من المضاعفات ونقاط الضعف أصابت جوانب من المعرفة التفسيرية.

فقد عرفنا : ان المعرفة التفسيرية في عصر الصحابة والتابعين اعتمدت على مجموعة من المصادر كان منها النص القرآني، والمأثور عن الرسول،

{ 117 }

وأقوال الصحابة الذين عاشوا الاحداث الاسلامية التي ارتبط بها النص القرآني. ومن أجل أن تكون هذه المصادر ذات دور ايجابي في عملية التفسير كان يجب أن تكون موضع اهتمام في صيانتها وضبطها وحمايتها ليمكنها أن تؤدي مهمتها في تغذية المعرفة التفسيرية.

ونحن نلاحظ مجموعة من نقاط الضعف اكتنفت عملية الاستفادة من هذه المصادر نتيجة للسذاجة في الضبط والحماية.

1 - نلاحظ ان بعض الالفاظ القرآنية تقرأ بأساليب مختلفة تؤدي في بعض الاحيان الى الاختلاف في معنى اللفظ ومؤداه، هذا الشيء الذي أدى في نهاية تطوره الى ولادة علم القراءات.

وقد عولجت ظاهرة تعدد القراءات في البحوث التفسيرية العامة على اساس ان القرآن الكريم جاء به الوحي الى الرسول الاعظم (ص) بهذا الشكل المختلف.

ولكننا لا يمكن أن نقبل مثل هذه المعالجة بشكل مطلق وفي جميع الحالات خصوصاً في الحالات التي يكون لاختلاف القراءة تأثير على المعنى ويكون المعنى بدوره مرتبطاً بحكم كما في (يطهران) بالتخفيف و(يطهّرن) بالتشديد. اذ في مثل هذه الحالة لا يمكن أن نتعقل الترديد في الحكم الشرعي المستفاد منها(3).

وحينئذ نجد أنفسنا أمام تفسيرين لهذه الظاهرة بشكل عام أو على الاقل في بعض الحالات :

الاول : هو اهمال ضبط الكلمات القرآنية بشكل معين في عهد

_____________________
(3) يحسن بهذا الصدد مراجعة البيان في تفسير القرآن لآية اللّه الخوئي (المدخل) ص : 102 -117.

{ 118 }

الرسول من قبل بعض الصحابة أنفسهم أو نسيان الطريقة الصحيحة لنطق اللفظ نتيجة عدم التدوين.

الثاني : تدخل عنصر الاجتهاد والاستحسان في القراءة بعد فقدان حلقة الوصل التي كانت تربط بين بعض الصحابة والرسول.

ومن الممكن أن يكون السببان مشتركين في نشوء هذه الظاهرة.

ويبدو لنا بشكل واضح تأثير اختلاف القراءات على فهم النص القرآني اذا لاحظنا هذا النص التاريخي عن مجاهد أحد كبار مفسري التابعين : (لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم احتج الى أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن)(4).

2 - ولعل من أبرز مظاهر عدم الضبط وأبعدها أثراً في القرآن الكريم هو ما يقال عن نسخ التلاوة، حيث لا يمكن تفسير بعض النصوص التي تتحدث عن هذا النسخ - اذا أردنا أن نحسن الظن في الصحابي الذي رواها - الا على أساس انه كان يسمع من النبي (ص) الحديث أو الدعاء فيتصوره قرآناً أو يختلط عليه الامر بعد ذلك. والا فكيف نفسر ادعاء عمر بن الخطاب آية الرجم مع أنه يصرح انها مما مات عنه الرسول وهو يقرأ من القرآن ؟ !!(5).

3 - والى جانب القرآن الكريم تعرض المأثور عن رسول اللّه الى هذه الظاهرة ونلاحظ ذلك في اختلاف ما يروى عن رسول اللّه (ص) في التفسير(6).

_____________________
(4) الترمذي : 11/6.
(5) البخاري : 4/120 باب رجم الحبلى من الزنا في كتاب الحدود. والاتقان 1/58.
(6) كمثال على ذلك قارن بين الروايات التي يذكرها السيوطي في الاتقان 2/191 - 205.

{ 119 }

كما نجد مثل هذا الشيء في نقل الحوادث التاريخية التي ارتبطت بها بعض الآيات القرآنية. حيث نلاحظ مفارقات كثيرة في ذلك مما أدى في بعض العصور المتأخرة الاسلامية الى نشوء بعض الفرق والمذاهب المختلفة. ويظهر ذلك بمراجعة أي كتاب من كتب أسباب النزول(7) ومن الواضح أن تفسير هذه الظاهرة انما يكون بموجب نفس الاسس السابقة التي عللنا بها ظاهرة تعدد القراءات حيث يمكن ارجاع ذلك لعدم ضبط الصحابة لاقوال الرسول وسلوكه أو الى عدم التدوين الذي أدى في عصرنا ما بعد الصحابة الى هذا الاختلاط.

4 - وقد تعرضت المعرفة التفسيرية الى نقطة ضعف هامة نتيجة لهذه البساطة في الشعور بالمسؤولية وعدم التقدير الواعي لظروف الحماية وأساليبها. حيث نجد المرحلة تعتمد بشكل رئيسي على أقوال أهل الكتاب ونظرياتهم.

_____________________
(7) وبصدد أسباب النزول نجدعلماء التفسير يأخذون قول الصحابي بمنزلة المرفوع في أسباب النزول من دون تردد والكثير منهم يعمم هذا الحكم الى جوانب المعرفة التفسيرية. في الوقت الذي يجب علينا كباحثين أن نميز بين الصحابة الذين عاشوا هذه الاحداث عن كتب وشاهدوا تفاصيلها. وبين الآخرين الذين اعتمدوا في نقلهم لها على الشائعات والاقاويل. الامر الذي يؤدي في أكثر الاحيان الى الالتباس في نقل الخصوصيات والتفصيلات. فنحن حين نشاهد بعض المسلمين يختلفون في المسجد الذي اسس على التقوى هل هو مسجد (قبا) أو مسجد الرسول (ص) في زمن الرسول ويرفعون هذا الاختلاف للرسول الاعظم ليحكم فيه*.. نسمح لانفسنا أن نشكك في كل ما يروى عن الصحابة بهذا الشأن اذا لم يكن الشخص الراوي قد عاش الحادثة بنفسه.
____________________
* الترمذي : 11/245 - 246 ويروي الترمذي بعد هذه الرواية نصاً آخر يدل بالدلالة الالتزامية على أن المسجد هو مسجد (قبا) في الوقت الذي نجد هذه الرواية تصرح بأن المسجد هو مسجد النبي.

{ 120 }

وقد وقع بعض الصحابة نتيجة لهذا الاعتماد في مفارقات فكرية وعقيدية تختلف عن الاتجاهات الاسلامية الصحيحة. فهناك كثير من الافكار الاسرائيلية عن الانبياء وعالم الآخرة والملائكة اضيفت الى القرآن الكريم نتيجة هذا الربط التفسيري بين الوقائع التي تسردها الكتب الاسرائيلية او التي يرويها الاسرائيليون والوقائع التي يشير اليها القرآن الكريم لاستخلاص العبرة والموعظة منها.

والشواهد على هذه المفارقات في النصوص التفسيرية الصحيحة المأثورة عن الصحابة كثيرة واليك نماذج منها : -

أ - عن أبي هريرة في قوله تعالى : (واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم...) (الاعراف : 172) قال : قال رسول اللّه (ص) (لما خلق اللّه آدم مسح ظهره فسقط كل نسمة هو خالقها من ذريته الى يوم القيامة وجعل بين عيني كل انسان منهم وبيصاً(8) من نور ثم عرضهم على آدم. فقال آدم : أي رب من هؤلاء ؟. قال هؤلاء ذريتك. فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال : أي رب من هذا ؟. فقال : رجل من آخر الامم من ذريتك يقال له داود. فقال رب كم جعلت عمره. قال ستين سنة قال : أي رب زده من عمري أربعين سنة. فلما قضى آدم جاءه ملك الموت. فقال : أوَلم يبق من عمري أربعون سنة ؟ !. قال أوَلم تعطها ابنك داود ؟ فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسبت ذريته. وخطئ آدم فخطئت ذريته)(9).

وهذا الحديث وان كان يرويه أبو هريرة عن رسول اللّه (ص) ولكننا نقطع بعدم صدوره من رسول اللّه لوجود صلة الرحم بينه وبين الاسرائيليات في نظرتها الى الانبياء واتهامها لهم بعظائم الامور كما انه يحاول

_____________________
(8) الوبيص : البريق. ابن الاثير : البداية والنهاية 4/191.
(9) الترمذي : 11/196 - 199.

{ 121 }

أن يصور بني اسرائيل على أساس أنهم آخر الامم. وعدم وجود ارتباط واضح بين الفقرات الثلاثة الاخيرة وواقع القصة. ان لم نقل بتناقضها.

ب - عن ابن عباس ان النبي (ص) قال لما أغرق اللّه فرعون قال : آمنت بأنه لا اِله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل. فقال جبرئيل فلو رأيتني وأنا آخذ من حال(10) البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة)(11).

فان هذه الرواية تصور لنا جبرئيل شخصاً يحب الانتقام والهلاك للناس. فاذا قارنا ذلك بما ينظر اليهود به الى جبرئيل وانه ملك العذاب كما جاءت بذلك بعض النصوص التاريخية في أسباب نزول قوله تعالى : (ومن كان عدواً للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال... الآية)(البقرة :98) ... نعتقد ان هذه الرواية لم تأت عن النبي وانما جاءت على لسانه تأييداً لوجهة النظر الاسرائيلية. أو تأثراً بأفكار الاسرائيليات. والا فنحن لا نفهم لماذا يخاف جبرئيل أن تدرك رحمة اللّه أحداً من الناس حتى لو كان ذلك فرعون ؟ !!.

ج - عن أبي هريرة رفعه «لم يكذب ابراهيم الا في ثلاث : قوله : اني سقيم ولم يكن سقيماً. وقوله لسارة : اختي. وقوله : بل فعله كبيرهم هذا»(12).

ولا يمكننا الا أن ننسب هذا الحديث الى الاسرائيليات لما فيه من اتهام ابراهيم بالكذب على هذه الصورة المشينة خصوصاً اذا أخذنا بنظر الاعتبار عدم ورود قصة ادعاء ابراهيم ان سارة اخته في القرآن الكريم.

_____________________
(10) الحال : الطين الاسود كالحمأة. ابن الاثير : البداية والنهاية 10/273.
(11) الترمذي : 11/271 راجع الحديث الذي بعده.
(12) الترمذي : 12/24.

{ 122 }

د - جاء في الطبري عن سعيد بن المسيب انه كان يحلف ان آدم لم يأكل من الشجرة الا بعد أن شرب من الخمر(13).

وسعيد بن المسيب هذا نجده في موضع آخر لا يرضى أن يقول في القرآن شيئاً من التفسير ؟!(14) فكيف يمكن أن نوفق بين يمينه ذاك ورأيه هذا ؟؟ !.

ه - عن أبي سعيد الخدري قال : قرأ رسول اللّه (ص) (وانذرهم يوم الحسرة. مريم : 39) قال يؤتى بالموت كأنه كبش أملح حتى يوقف على السور بين الجنة والنار. فيقال : يا أهل الجنة. فيشرئبون. ويقال يا أهل النار. فيشرئبون. فيقال : هل تعرفون هذا ؟. فيقولون : نعم هذا الموت. فيضجع فيذبح. فلولا ان اللّه قضى لاهل الجنة الحياة فيها والبقاء لماتوا فرحاً. ولولا أن اللّه قضى لاهل النار الحياة فيها لماتوا ترحاً)(15).

ويمكن أن نعرف مدى صحة هذا النص اذا درسنا النصوص التي تروى عن أبي سعيد هذا. ووجدنا انها تلتقي في نقطة واحدة وهي التحدث عن أشياء غريبة ترتبط بعالم الآخرة وكأنه شخص اختصاصي لا يمارس الا هذا اللون من التفسير(16).

ويجدر بنا ونحن نتحدث عن المفارقات التي وقع فيها بعض الصحابة والتابعين نتيجة اعتمادهم على الاسرائيليات في التفسير أن نعرف مدى قيمة هذا المصدر من ناحية اسلامية في المعرفة التفسيرية.

ويمكننا أن نجزم بسهولة بأن هذا المصدر لا يمثل في وجهة النظر الاسلامية أي قيمة حقيقية بعد أن نلاحظ الامرين التاليين :

_____________________
(13) تفسير الطبري : 1/237.
(14) المصدر السابق : 1/38.
(15) الترمذي 12/14.
(16) يمكن ملاحظة ما رواه السيوطي في الاتقان عنه 2/191 - 205. والترمذي في كتاب التفسير.

{ 123 }

أولاً : ان القصص والتفصيلات التي سردتها التوراة والانجيل بوجودهما الفعلي لا يمكن الاعتماد عليها لانها محرفة، وفيها اتجاهات أخلاقية وعقيدية لا يقرها الاسلام الحنيف. وقد صرح القرآن الكريم في مواضع مختلفة بهذا التحريف الذي أصاب هذين الكتابين. وذم أهل الكتاب بصورة عامة على قيامهم بهذا التحريف والتزامهم له. فكيف يصح لنا بعد هذا كله أن نعتمد على شيء من هذه التفصيلات في تفسير القرآن الكريم.

ثانياً : ان الصحابة والتابعين حين كانوا يأخذون من أهل الكتاب هذه التفصيلات لم تكن لديهم وسائل الاطلاع على ذات التوراة والانجيل. وانما كانوا يعتمدون في ذلك على بعض من دخل الاسلام من أهل الكتاب وغيرهم. وقد كان بعض هؤلاء قد تظاهر بالاسلام وهو غير مخلص له. فمن الطبيعي أن يقوم بعملية تشويه للمفاهيم الاسلامية بادخال بعض الاتجاهات الفكرية والاخلاقية فيما يرويه عن التوراة والانجيل. وهذا الشيء وان كان غير وارد فعلاً على أساس انتشار العهدين القديم والجديد.. ولكنه كان ذا مفعول ايجابي في تشويه الفكر الاسلامي أيام الصحابة والتابعين.

وقضية اعتماد بعض الصحابة على الاسرائيليات في التفسير يمكن أن تعتبر بداية المشكلة لعصر التابعين حيث كان هذا الاتجاه اتجاهاً رئيسياً في عصرهم قامت عليه بعض المدارس التفسيرية وتبنته بعض الاساليب الثقافية كمصدر مهم من مصادر التموين.

فقد ظهرت في هذه الفترة من الزمن حركة اتخذت من سرد الحوادث التاريخية حرفة خاصة(17). وبرزت الاسرائيليات التي تتحدث عن حياة

_____________________
(17) يشير الى هذا ما ذكره هبة اللّه بن سلامة في كتابه الناسخ والمنسوخ المطبوع بهامش أسباب النزول للواحدي ص : 6-8.

{ 124 }

الانبياء السابقين - كجزء من الثقافة الاسلامية العامة - الى جانب السيرة النبوية وتفصيلاتها.

وبعد هذا كله يمكننا أن ندرك بوضوح مقدار ما أصاب الثقافة الاسلامية من ضياع وتشويه نتيجة هذه السذاجة في الضبط والحماية.

ثالثاً : سذاجة الصحابة الفكرية وميلهم للبساطة وتأثرهم في فهم الاسلام باطاراتهم الخاصة:

لقد كانت السذاجة الفكرية لجمهور الصحابة وتأثرهم في فهم الاسلام باطاراتهم الخاصة احدى النقاط الهامة التي كانت لها نتائجها ومضاعفاتها في المعرفة التفسيرية.

1 - فقد كان من مظاهر ذلك ما أشرنا اليه سابقاً من طبيعة المرحلة التي فرضت على الصحابة أن يعيشوا القرآن كمشكلة لغوية. فان ذلك كان بسبب عاملين :

أحدهما خارجي وهو عدم استيعاب الصحابة للثقافة الاسلامية والآخر داخلي وهو المستوى العقلي والفكري الذي كان يعيشه رجال المرحلة حيث كانوا ينظرون الى البحث والتأمل خارج حدود المشكلة اللغوية بحثاً غير اسلامي قد ينتهي بهم الى الانحراف في فهم الدين والضلال عنه في الوقت الذي نجد القرآن الكريم يحض على التأمل في الكون والتدبر في القرآن الكريم ومفاهيمه واستعمال العقل كأداة لادراك بعض المفاهيم الكونية والاجتماعية من خلال النظرية الاسلامية ومفاهيمها.

2 - كما كان من نتائج هذه السذاجة موقف الصحابة من القرآن الكريم - كمصدر مهم من مصادر المعرفة التفسيرية في ذلك العصر - حيث لم يتمكنوا من الاستفادة الكاملة من العطاء القرآني في هذا المجال. ويلاحظ ذلك في ندرة ما ورد عنهم من محاولات تفسيرية تعتمد في فهم القرآن الكريم على القرآن نفسه. في الوقت الذي نعرف ان طبيعة نزول القرآن الكريم واسلوبه وترابط النظرية الاسلامية وتكاملها يحتم علينا فهم المقطع القرآني

{ 125 }

على ضوء جميع ما ورد في القرآن الكريم بصدد معناه.

وفي بعض الموارد الذي يحاول الصحابة الاستفادة من عطاء هذا المصدر الاصيل نجدهم يخضعون النص القرآني لاطاراتهم الفكرية الخاصة.

ومن الشواهد التي تدل على ذلك تلك المحاولة التي تنسب الى بعض الصحابة حين حاول التعرف على حقيقة ابليس وماهيته وانه من الجن أو الملائكة حيث خرج - بعد مقارنته لقوله تعالى : (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس أبى... الآية ) (البقرة : 34) مع قوله تعالى : (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا اِلا ابليس كان من الجن... الآية) (الكهف: 50) بنتيجة معينة تقول : ان ابليس كان ينتمي الى قبيلة من الملائكة تسمى بالجن(18).

3 - وعملية اخضاع النص القرآني للاطارات الفكرية الخاصة التي كان يعيشها بعض الصحابة والتابعين هي احدى المظاهر التي اصيبت بها المعرفة التفسيرية في ذلك العصر نتيجة للسذاجة الفكرية. ولدينا شواهد كثيرة على هذا التأثر في العمليات التفسيرية المنسوبة الى بعض الصحابة والتابعين(19).

4 - والى جانب ذلك كانت تبدو البساطة في فهم المعنى القرآني والاستعارة القرآنية واضحة المعالم في تفاسير بعض الصحابة والتابعين :

فعكرمة أحد التابعين يرى في قوله تعالى (لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) (26 : ص) على انه من تقديم ما حقه التأخير. اذ يفهم

_____________________
(18) الطبري : في تفسير قوله تعالى الآية الاولى.
(19) راجع بهذا الصدد الاتقان : 1/144 و2/141. والترمذي : 11/246.

{ 126 }

الآية على أساس ان تركيبها الاصلي (لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا) حيث لا يرى عكرمة ان نسيان يوم الحساب يمكن أن يكون سبباً معقولاً للعذاب الشديد(20).

وكذلك ابن عباس يرى في قوله تعالى : (فقالوا أرنا اللّه جهرة) (النساء : 153) ان (جهرة) كان حقها التقديم في الكلام فتأخرت حيث لا يعقل ان تتصف الرؤية ب(الجهرة) لانهم اذا رأوا فقد رأوا وانما كان قولهم جهرة وعلناً(21).

وهكذا نجد الصحابة في هذا ونظائره يفسرون القرآن حسب مدركاتهم العقلية الخاصة ويخضعون المجاز القرآني بأقسامه المختلفة لبساطتها وسذاجتها.

5 - وقد انفتح بعض الصحابة والتابعون نتيجة لهذه السذاجة الفكرية على بعض الافكار الاسرائيلية وتفسيراتهم لبعض الالفاظ القرآنية حين لم يجدوا فيها ما يتنافى مع أفكارهم الخاصة ومدركاتهم العقلية. خصوصاً ما يرتبط منها بعالم الغيب. هذا العالم الذي كانوا يجهلون الكثير من تفاصيله ودقائقه(22) فكان ان فرضت على الثقافة القرآنية مجموعة غريبة من الافكار والمفاهيم ونظر اليها في العصور المتأخرة على أساس انها جزء من الثقافة الاسلامية.

رابعاً : التفسير لاغراض سياسية وشخصية

لقد عرفنا سابقاً ان تسلم الصحابة لقيادة المسلمين فكرياً لم يتم على أساس التمييز بين رفاق النبي (ص) الذين أخلصوا له ولرسالته، وبين

_____________________
(20) الاتقان 2/13.
(21) نفس المصدر السابق : المكان نفسه.
(22) راجع الترمذي : 11/284. والاتقان 2/141 وغير ذلك.

{ 127 }

الآخرين الذين لم يكونوا قد انفعلوا بدرجة كافية برسالة الاسلام وامتزجوا بها روحياً.

وكان لهذا التوجيه الخاطئ نتائجه الكثيرة في الثقافة الاسلامية بشكل عام. ولم تسلم المعرفة التفسيرية من مضاعفاته وآثاره. فتعرضت ثقافة القرآن الكريم للتزوير والتشويه بقصد الاستفادة السياسية أو الشخصية.

ويلاحظ الباحث في المعرفة التفسيرية لذلك العصر مواقف كثيرة كانت تتسم بهذا الاتجاه الخاص وتحقق اغراضاً وأهدافاً معينة.

وهناك شواهد كثيرة تشير بأكثر من اصبع باتهام اولئك الابطال الذين اشتروا آيات اللّه باثمان قليلة فراحوا يخدمون جهات معينة سياسية أو شخصية ويتقاضون اجر ذلك منصباً زائلاً أو ذهباً رناناً.

ولعل من أبرز هذه الشواهد هو ما نفهمه حين نقارن بين ما يذكره علماء القرآن في شأن المفسرين من الصحابة. حيث يذكرون : ان علياً (ع) من أكثر الصحابة تفسيراً للقرآن وان أبا هريرة من أقلهم تفسيراً(23).. وبين ما يذكر في كتب التفسير الصحيحة حيث نجد ما يروى عن أبي هريرة أكثر مما يروى عن علي (ع)(24).

ولا شك ان هذه المفارقة ذات دلالة على الظروف السياسية التي منعت من الرواية عن علي (ع) ودفعت الناس للاخذ من أبي هريرة الامر الذي سمح لهؤلاء نسبة ما يقولونه الى رسول اللّه (ص) والقرآن الكريم.

أ - نماذج من التفسير لاغراض سياسية :

1 - احتج أبو بكر على الانصار يوم السقيفة بقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين) (التوبة 119) وفسر الصادقين

_____________________
(23) الاتقان 2/187 و2/189.
(24) قارن ما ذكرناه، بالروايات المذكورة عن علي وابي هريرة من كتابي التفسير للبخاري والترمذي.

{ 128 }

في هذه الآية بالمهاجرين بقرينة قوله تعالى : (للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من اللّه ورضواناً وينصرون اللّه ورسوله اولئك هم الصادقون) (الحشر: 8)(25). إذ من الواضح ان هذا اللون من التفسير لم يقصد منه الا الغرض السياسي مع ابتعاده عن الغرض القرآني الاصيل.

2 - عن علي بن أبي طالب : قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا الخمر فأخذت الخمر منا. وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون ! قال فأنزل اللّه تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون !!(26) (النساء : 43).

ولا يشك أي مسلم يعرف القليل عن شخصية الامام (ع) بوضع هذا الحديث على لسانه. حيث ان الامام (ع) تربى في حجر الرسول منذ أن كان طفلاً وتخلّق باخلاقه فكيف يمكن ان نتصور وقوع هذا الشيء منه خصوصاً اذا أخذنا بعين الاعتبار نزول بعض الآيات القرآنية في ذم الخمر. واذا لاحظنا وجود بعض النصوص التي تذكر نزول الآية في شخص آخر من كبار الصحابة ممن كان قد اعتاد شرب الخمر في الجاهلية.

ب - نماذج من التفسير لاغراض شخصية

1 - عن عمر بن الخطاب «قال قال رسول اللّه يوم احد اللهم العن أبا سفيان. اللهم العن الحرث بن هشام. اللهم العن صفوان بن امية.

_____________________
(25) ذكر هذه الواقعة الزركشي في كتابه : البرهان في علوم القرآن 1/156. ولسنا على يقين من صحة صدور هذا التفسير عن شخص أبي بكر ولكن الرواية مع ذلك تدل على لون من ألوان الوضع السياسي في عصر متأخر عن أبي بكر.
(26) الترمذي 11/157.

{ 129 }

فنزلت (ليس لك من الامر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم. آل عمران : 128) فتاب عليهم فأسلموا فحسن اسلامهم(27).

ومن الواضح أن هذا الحديث وضع لصالح الامويين على لسان عمر بن الخطاب اذ لا يتفق هذا الحديث مع الواقع التاريخي المعروف عن هؤلاء الاشخاص بعد اسلامهم في حياة النبي (ص) وبعدها.

ولكن يبدو ان التزوير غير متقن لانه يفرض صدور التوبة من اللّه قبل اسلامهم !!.

2 - عن أبي بكر قال كنت عند رسول اللّه (ص) فانزلت عليه هذه الآية (من يعمل سوءاً يجز به ولا يجدون من دون اللّه ولياً ولا نصيراً) (النساء 123) قلت يا رسول اللّه بأبي أنت وامي أينا لم يعمل سوءاً وانا لمجزون بما عملنا فقال رسول اللّه (ص) أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا اللّه وليس لكم ذنوب واما الآخرون فيجمع لهم حتى يجزوا به يوم القيامة)(28).

فهذا الحديث بالرغم من مخالفته لظهور كثير من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية يحاول أن يبرئ موتى المسلمين - كما ترى - من التبعات الاخروية لاعمالهم ليبقوا اولياء على كل حال في نظر الناس.

3 - روى مسلم عن ابن عباس في رواية باذان : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد في سرية الى حي من أحياء العرب. وكان معه عمار بن ياسر فسار خالد حتى اذا دنا من القوم عرّس لكي يصبحهم. فأتاهم النذير، فهربوا عن رجل قد كان أسلم فأمر أهله أن يتأهبوا للمسير. ثم انطلق حتى أتى عسكر خالد ودخل على عمار فقال

_____________________
(27) الترمذي 11/131.
(28) الترمذي : 11/169 - 170.

{ 130 }

يا أبا اليقظان اني منكم وان قومي لما سمعوا بكم هربوا وأقمت لإسلامي أفنافعي ذلك، أو أهرب كما هرب قومي ؟. فقال : أقم فان ذلك نافعك. وانصرف الرجل الى أهله وأمرهم بالمقام.

و أصبح خالد فغار على القوم فلم يجد غير ذلك الرجل فأخذه وأخذ ماله. فأتاه عمار فقال اخل سبيل الرجل فانه مسلم، وقد كنت آمنته فأمرته بالمقام. فقال خالد أنت تجير عليّ وأنا الامير فقال : نعم أنا أجير عليك وأنت الامير. فكان في ذلك بينهما كلام. فانصرفوا الى النبي (ص) فأخبروه خبر الرجل فآمنه النبي (ص) وأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير بعد ذلك على أمير بغير اذنه.

قال واستبّ عمّار وخالد بين يدي رسول اللّه (ص) فأغلظ عمّار لخالد. فغضب خالد وقال يا رسول اللّه أتدع هذا العبد يشتمني. فواللّه لولا أنت ما شتمني. وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة. فقال رسول اللّه (ص) : يا خالد كف عن عمار فانه من يسب عماراً يسبه اللّه ومن يبغض عماراً يبغضه اللّه. فقام عمار فتبعه خالد فأخذ بثوبه وسأله أن يرضى عنه فرضي عنه. فأنزل اللّه تعالى هذه الآية : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) (النساء : 59) وأمر بطاعة اولي الامر(29).

والتلفيق في هذه الرواية واضح لما فيها من التناقض في الاحكام والمواقف بالشكل الذي لا ينسجم مع أوضاع أبطالها الثلاثة رسول اللّه وعمار وخالد. فلماذا يحتاج هذا الرجل المسلم الى أن يجيره شخص من السرية ليكون آمناً ولا يكفيه اسلامه في ذلك حتى يقع النزاع بين عمّار وخالد فيمن يجير ؟!. وكيف يسب عمار خالداً بعد أن حقق عمار هدفه

_____________________
(29) الواحدي : أسباب النزول : 118.

{ 131 }

في الحصول على أمانٍ للرجل من رسول اللّه (ص) وبعد نهي رسول اللّه له - كما تفرض الرواية - بمخالفة أمير السرية ؟!. ثم كيف ينتصر النبي لعمار على خالد والرواية تظهر عماراً كظالم لخالد ؟!. ثم كيف يترضى خالد عماراً بعد ظلم عمار له، وبعد أن تكشّف خالد عن نفسية جاهلية تأبى عليه هذا الذل ؟!. وبعد كل هذا ألا يجوز لنا أن نحكم بتزوير هذه الرواية لمصلحة خالد بن الوليد على حساب الصحابي المجاهد المناهض للظلم عمار بن ياسر ؟.