تفسير القرآن في ضوء العلوم الحديثة
إن هذا النوع من التفسير لبعض الآيات الكونية والطبيعية وغيرها ذات الطابع العلمى منهج جديد ومحاولة موفقة إن شاء الله تعالى لاظهار ما في القرآن من إعجاز علمى أو تشريعى لم يعرفه المفسرون القدامى المعرفة التامة، ولم يكن ذلك عن إغفال لشأنها وإنما كان ذلك منهم لانهم نظروا إليها نظرة تأمل وإجلال وتقديس باعتبارها مظهر لقدرة الله العظيمة في خلق هذا الكون وروعة حكمته
وتدابيره؟ لجميع ما فيه من كائنات ومخلوقات، ولكن عندما تقدم العلم واتسعت آفاقه مع تطور المدنية والحضارة أخذت أنظار العلماء تتجه إلى ما جاء به القرآن من حقائق علمية سبقت نهضة الانسان العلمية بعدة قرون.
فمن المعلوم أن القرآن نزل على النبى صلى الله عليه وسلم خلال القرن السادس الميلادى أى قبل عصر نهضة أوروبا التى بدأت طلائعها في القرن الرابع عشر الميلادى واستمرت في نمو وإزدهار وحققت نتائج قيمة من الكشوف العلمية في مختلف العلوم والفنون والآداب التى حررت العقول من الجهل والخرافات التى كانت سائدة ومسيطرة في العصور الوسطى ومما يذكره التاريخ من قضايا هذا العصر الوسيط أنه قامت بين رجال الدين
المسيحى وبين رجال العلم مخاصمات ومنازعات خطيرة في أمور علمية اعتبرها رجال الدين خروجا على ما في الكتب المقدسة من نصوص لم يفهموها وحرفوها وغيروا وبدلوا فيها تبعا لاهوائهم وتحقيقا لمصالحهم ومنافعهم الخاصة.
ومن أمثلة هذه الخلافات ما قرره علماء الفلك بعد الدراسة والبحث الوثيق من أن الارض ليست مركز الكون كما كان يعتقد رجال الدين الذين اعتبروا ذلك الرأى خروجا على حرمة الدين فكفروا كل من اعتقد ذلك الرأى واضطهدوهم بل أهدروا دماءهم.
وإليك نموذجا يوضح اختلاف التفاسير قديما وحديثا وكيف أن إدراك المعانى للآيات يتفاوت من فهم إلى فهم ومن عصر إلى عصر كما في الآيات الآتية: قال الله تعالى في سورة ص آية - 31، 32:(ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشى الصافنات الجياد فقال إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها على فطفق مسحا بالسوق والاعناق) فقد فسرت هذه الآية الكريمة قديما بأن سيدنا سليمان عليه السلام لما عرضت عليه الخيل في وقت صلاة العصر شغلته وألهته عن الصلاة فتملكه الغضب وأخذ يقطع سيقان هذه الخيول وأعناقها بالسيف.
وهذا التفسير ينافى ما جاء في الآية من أن سليمان عليه السلام كان نعم العبد الاواب فكيف يصدر عن نبى أثنى عليه القرآن هذا الثناء أن يكون قاسيا إلى حد قتل الخيول البريئة التى هى عدة المؤمنين في قتال أعداء الدين والزود عن حياض الاوطان بغير ذنب جنته.
وقد فسرت الآيات بعد ذلك تفسيرا معقولا أقرب إلى الواقع المفهوم وهو أن سليمان عليه السلام عرضت عليه بعد الظهر الخيل الاصيلة التى تسكن حين وقوفها
وتسرع حين سيرها، فقال سليمان إنى أشربت حب الخيل لانها عدة الخير وهو الجهاد في سبيل الله وأن حبها نشأ عن ذكرى لربى، وما زال مشغولا بعرضها حتى غابت عن ناظريه، ثم إنه أمر بردها عليه ليتعرف أحوالها، فأخذ يمسح سوقها وأعناقها ترفقا بها وحبا لها واستئناسا لها.
وبعد أن تقدم العلم كثيرا نجد أن الانسان قد توصل في مجال الطب البيطرى إلى أن ما فعله سيدنا سليمان عليه السلام كان هو الاسلوب الامثل في معاملة الحيوانات واستئناسها بإدخال الطمأنينة والهدوء عليها بأن يربت على رؤوسها ورقابها وظهورها عندما يريد فحصها أو استخدامها، ومن ذلك يتضح ما بين التفسيرين من فرق شاسع.
| |