هجر القرآن
18 ذو القعدة 1422 هـ
- القطيف
﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ
يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا
الْقُرْآنَ مَهْجُوراً
﴾ ( الفرقان:30 )
الهجر
في اللغة : هو ترك ما من شأنه أن
يوصل .
فأي
جهة كان ينبغي أن تكون على صلة معها ثم تتركها يقال لك بأنك
هجرتها،
ولا يقال لمن لم تعرفه أنك هجرته .
وفي
هذه الآية يشكو الرسول إلى
الله تعالى من هجر قومه للقرآن العظيم ﴿ وَقَالَ
الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ ( سورة
الفرقان آية 30) وقوم محمد هم
أمته وأتباعه ﴿
اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾ وإنما
قال سبحانه ﴿
اتخذوا ﴾
ولم
يقل (هجروا) ليدلل على أن الهجر
صار ديدنهم ومنهجهم وطريقتهم في التعاطي مع القرآن العظيم .
وقد
اختلف المفسرون في المدلول الزمني
لهذه الآية ،فهل حدثت هذه الشكوى في زمن النبي أم
أنه سيرفعها الى الله في يوم القيامة؟
فبعض
المفسرين قالوا بأنها حصلت عندما كان الرسول يقرأ
على قومه القرآن وهم يستنكفون عن الاستماع إليه ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ ( سورة
فصلت آية26 )
ولكن
عدداً من المفسرين يرجحون أن تكون هذه الشكوى يوم القيامة، وأن
الفعل
( وقال ) فعل ماض لكنه يدل على تحقق ما سيقع في المستقبل إنزالاً لمنزلة ما
سيقع
حتماً بمنزلة ما وقع فعلاً ، وهذا ما يستفاد من السياق العام للآية إذ يقول
سبحانه
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ
فُللانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلانسَانِ خَذُولا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي
اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا
﴾ ( سورة الفرقان آية28 – 30
)
والروايات
تؤكد على مثل ذلك أيضاً ، وتندد بأولئك
الذين يهجرون القرآن ..
فقد
ورد عن الفضل بن شاذان أنه سمع الإمام الرضا
يقول
مرة بعد مرة « فإن قال: فلم
أمروا بالقراءة في فالصلاة؟ قيل: لئلا يكون القرآن
مهجوراً مضيعاً وليكون محفوظاً فلا يضمحل ولا يُجهل » . [1]
وعن الإمام الباقر : « قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ : أَنَا أَوَّلُ وَافِدٍ عَلَى الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ كِتَابُهُ وَ أَهْلُ بَيْتِي ثُمَّ أُمَّتِي ثُمَّ
أَسْأَلُهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ بِأَهْلِ بَيْتِي » . [2]
وعن
الإمام الصادق أنه
قال : « السُّورَةُ
تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَدْ قَرَأَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا فَتَأْتِيهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتِ
فَتَقُولُ أَنَا سُورَةُ كَذَا
وَ كَذَا فَلَوْ أَنَّكَ تَمَسَّكْتَ بِي وَ أَخَذْتَ بِي
لَأَنْزَلْتُكَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ
» [3]
وعَنْ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : « قَالَ
الْقُرْآنُ عَهْدُ اللَّهِ
إِلَى خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ
يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ وَ أَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ
آيَةً » [4]
وهجر القرآن يقابله الاهتمام بالقرآن ، ويمكن
ملاحظ الأمر في اتجاهين
|