التحريف وروايات الشيعة
لقد نقل رواة الشيعة بعض الروايات التي
يشم منها التحريف ووقوعه في كتاب الله ظاهراً ، واستدل البعض – من غير المثبتين
في الأمور – بهذه الروايات على أن الشيعة قائلون بالتحريف . ونحن نقول في جواب
هؤلاء المستدلين :
-1إن
ذكر الروايات ونقلها في الكتب لا يعني الاعتراف الضمني بصحتها لا سيما عند عامة
الإمامية ، وكذلك الحال بالنسبة لأهل السنة وإن كانوا يعتقدون بصحة كل ما جاء في
صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من الصحاح السنة ، وكيف يمكن قبول دعوى صحة كل ما في
الكتب في حين نجدهم يذكرون روايات متناقضة في كثير من المسائل الإسلامية من الأصول
والفروع ، وعلى فرض تصريح مصنف بأنه ذكر الروايات الصحيحة فقط فإنه لا يمكن
الاعتماد على قوله والحكم بصحة جميع مروياته .
وخلاصة الأمر هي أن الشيعة لا يعتقدون
بصحة جميع مروياتهم . ولذا ذكروا أسانيد الأحاديث لكي ينظر المدقق ويتحقق – بعد إمعان النظر
في رجال الحديث ، أو غير ذلك من المزايا – من صحة الحديث أو
ضعفه . وهذا ما ينسحب على كتاب الكافي وغيره من كتب الشيعة .
أما بالنسبة لتفسير القمي الذي ذكر بعض
هذه الروايات فنقول : إن ما ذكرناه آنفاً يشمل هذا الكتاب أيضاً ، إضافة إلى أنه
قد خلط مع تفسير آخر يسمى بـ (( تفسير أبي الجارود )) وقد ذكر ذلك وثبته : الشيخ
آقا برزك الطهراني (1).
فهذا التفسير ( تفسير أبي الجارود )
بالإضافة إلى أن في سنده كثير بن عياش – وهو ضعبف – فإنه ينتهي إلى
أبي الجارود المنحرف عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، والذي كان قد لعنه الإمام
الصادق عليه السلام – كما قال النديم – وقال فيه وفي جماعة آخرين بأنهم كذابون ، ووردت روايات في جرحه
وعدم مقبوليته عند أهل البيت عليهم السلام (2) .
وأما توثيق السيد الخوئي لأبي الجارود
لأجل وقوعه في أسانيد كامل الزيارات الذي قد شهد محمد بن قولويه بوثاقة جميع
رواياته (3) فغير صحيح لتقدم الجرح على التوثيق ،
وورود الروايات في ذم أبي الجارود يقدم على توثيق ابن قولويه له
، بالإضافة إلى عدم صحة ما ذكره من وثاقة جميع رجال كامل الزيارات ، وابن قولويه
لا يظهر من كلامه ذلك . وعلى كل حال فقد قال المامقاني بعد نقل الروايات في جرح
أبي الجارود :
(( إن الرجل لم يرد فيه توثيق بوجه ، بل
هو مذموم أشد الذم وقد ضعفه في الوجيزة وغيرها )) (4)
.
أما نقل بعض الثقات عنه فلا يوجب توثيقه
. كما صرح بذلك السيد الخوئي بالنسبة لأبي الـجارود (5)
.
وأما بالنسبة إلى الكافي الذي ألف خلال
عشرين سنة بيد الشيخ المتقي الكليني رحمه الله فنحن لا نقول بصحة كل الروايات التي
نقلها الكليني لأن قسماً منها يعد من حيث السند ضعيفاً أو مرسلاً أو غير ذلك ،
وقسماً آخر منها لا يوافق الكتاب ويمكن أن يخدش فيه من حيث المتن ، ومنها روايات
التحريف إن وجدت . فليس الكافي في نظر الإمامية الأصولية كالبخاري ومسلم وسائر
السنن في نظر أهل السنة الذين يقولون بصحة كل مرويات تلك الكتب وإن خالفت الكتاب!
بل يقولون بأن (( السنة قاضية على الكتاب )) (6) فراجع
مرآة العقول للعلامة المجلسي وانظر ما أصدره المجلسي من أحكام بالنسبة إلى
الروايات من ناحية السند فقط لترى أنه يحكم بضعف جمع من الروايات أو بإرساله أو
غير ذلك من وجوه الضعف .
يقول السيد هاشم معروف الحسني : (( إن
المتقدمين لم يجمعوا على الاعتماد على جميع مروياته جملة وتفصيلاً )) (7) .
ويقول أيضاً : (( إن أحاديث الكافي بلغت
ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعون – 16199 – حديثاً ، يكون
الصحيح منها خمسة آلاف واثنين وسبعين حديثاً ، والحسن مائة وأربعة وأربعين حديثاً
، والموثق ألفاً ومائة وثمانية وعشرين حديثاً ، والقوي ثلاثمائة وحديثين ، والضعيف
تسعة آلاف وأربعمائة وثمانين حديثاً (8) . هذا من
ناحية السند فقط .
بالإضافة إلى ما سبق (( إن الكليني إنما
أورد جانباً من هذا النوع من الروايات في قسم النوادر الأمر الذي يشير إلى أنه
يعتبرها أخبار آحاد وردت مورد الشذوذ والندرة التي ير العلماء أنها لا تنسجم
كثيراً مع ما عداها فيردون لها باباً بهذا الاسم عادة )) (9)
.
بعد ذلك نقول : إن أكثر روايات التحريف
روايات ضعيفة ينتهي إسنادها إلى الضعفاء (10)
والذين هم متهمون بالغلو وفساد المذهب .
فقسم كبير من هذه الروايات ينتهي إلى
أحمد بن محمد السياري . يقول الشيخ ميرزا مهدي البروجردي : عددت روايات التحريف ،
فرأيت أن أكثر من 188 منها ينتهي إلى السياري ، ولكننا عددنا هذه الروايات
فرأيناها أكثر من ثلاثمائة حديث عنه ، ويقول الشيخ النجاشي في رجاله حول السياري :
(( ضعيف الحديث ، فاسد المذهب )) (11) . وحكم الشيخ الطوسي عليه بالضعف في الاستبصار بعد
نقل حديث عنه (12) .
وقال ابن الغضائري عن السياري : (( يكنى
أبا عبيد الله المعروف بالسياري ضعيف متهالك غال منحرف )) (13) . وأيضاً عن الشيخ بشأن السياري : (( ضعيف الحديث ، فاسد المذهب
، مجفو الرواية ، كثير المراسيل )) (14) .
ومن رواة هذه الروايات يونس بن ظبيان
الذي قال فيه النجاشي :
(( ضعيف جداً ، لا يلتفت إلى ما رواه ،
كل كتبه تخليط )) ، وقال ابن الغضائري : (( ابن ظبيان كوفي غال كذاب وضاع الحديث
)) (15) .
ومنهم منخل بن جميل الكوفي : نص
المؤلفون في الرجال على أنه (( ضعيف ، فاسد الرواية )) وأضافوا على ذلك (( أنه من
الغلاة المنحرفين )) (16) .
ومنهم محمد بن حسن بن جمهور الذي قال
الحلي فيه : (( كان ضعيفاً في الحديث ، غالياً في المذهب ، فاسداً في الرواية ، لا
يلتفت إلى حديثه ، ولا يعتمد على ما يرويه )) (17)
وكذا قال النجاشي فيه : (( ضعيف الحديث ، فاسد الحديث )) (18)
.
وهكذا يتضح أن هؤلاء الأشخاص ما كانوا
مقبولين عند الرجاليين بل هم من الغلاة ، و.و.الخ. ورواية بعض الإخباريين عنهم لم
تكن عن دقة وتأمل ولذا اعتقد بعضهم طبقاً لهذه الروايات عن هؤلاء الضعفاء بالنقص في
القرآن ولكن هؤلاء ليسوا إلا شرذمة قليلين وكما يقول الشيخ أبو زهرة : (( خالفهم
في ذلك الكثيرون من الإمامية وعلى رأسهم المرتضى والطوسي وغيرهما )) (19) .
يقول السيد آية الله العظمى البروجردي
رحمه الله : إن الضرورة قائمة على خلافه ] القول
بالتحريف [ وضعف أخبار النقيصة غاية التضعيف سنداً ودلالة ، وإن بعض هذه
الروايات ما يخالف القطع والضرورة وما يخالف مصلحة النبوة … ثم العجب كل
العجب من قوم يزعمون أن الأخبار محفوظة في الألسن والكتب في مدة تزيد على ألف
وثلاثمائة وأنه لو حدث فيها نقص لظهر ومع ذلك تحتملون تطرق النقيصة في القرآن
المجيد (20) .
ويقول العلامة الشهشهاني بالنسبة إلى
ضعف روايات النقيصة : إنها أخبار لا عبرة بأسانيدها حتى أن المستدلين بها لم
يصححوا واحداً منها وإنها مهجورة بين معظم أصحابنا (21)
. ويقول سيدنا الإمام الخميني قدس سره حول روايات التحريف : إما ضعيف لا يصلح
للاستدلال به ، أو مجعول تلوح عليه إمارات الجعل أو غريب يقتضي بالعجب والصحيح
منها فيومي إلى مسألة التأويل والتفسير وإن التحريف إنما حصل في ذلك لا في لفظه
وعباراته (22) .
-2ومن الروايات في هذا الباب قسم يرجع
إلى الاختلاف في القراءات وقد ذكر بعض هذه الروايات في كتب الشيعة وقسم كبير منها
في كتب السنة وما جاء في كتب الشيعة قد نسب أكثره إلى أهل البيت عليهم السلام ولا
سيما إلى مصحف علي بن أبي طالب عليه السلام كما نسبت هذه الاختلافات التي جاءت في
كتب أهل السنة إلى الصحابة كابن مسعود أو أبيّ أو غيرهما .
ونقول : إن هذه الروايات التي وردت فيها
الآيات مخالفة لما هو المتواتر والمشهور بين الناس وهي أخبار آحاد لا يثبت بها
القرآن ولا يمكن رفع اليد عن المتواتر بالآحاد ، كما أن الأئمة عليهم السلام قد
أمروا متابعيهم بقراءة القرآن كما يقرؤه الناس (23)
.
يقول الدكتور عبد الصبور شاهين :
(( إن جميع ما روي من وجوه القرآن
بزيادة أو نقصان عن المصحف الذي بين أيدينا لا يخرج عن كونه شاذ الرواية وهو لا
يثبت قرآناً ، أو هو من المدرج الذي أقحم في النص تفسيراً أو بياناً وذلك ليس
بقرآن )) (24) .
واتفاق الشيعة على عدم جواز قراءة الشواذ
من القراءات في الصلاة يدل على عدم اعتبارهم روايات القراءات المروى أكثرها من طرق
السنة وقليل منها عن الشيعة . قال السيد الطبطبائي : المعتبر في الحجية ما تواتر
أصلاً وقراءة . وقال : لا عبرة بالشواذ . وقال الفاضل القمي في قوانينه : لا عمل
بالشواذ لعدم ثبوت كونها قرآناً (25) .
فعلى هذا لا يمكن ولا يجوز استعمال هذه
القراءات الشاذة في القرآن لأنها آحاد ، بالإضافة إلى إمكان كون هذه القراءات
بياناً لأصل الآيات وتفسيراً للبينات كما أشار إليه الدكتور عبد الصبور ، ويؤيد ما
قاله أبو حيان في تعليقته على قراءة ابن مسعود : (( فوسوس
لهما الشيطان عنها)) في مـوضـع (( فأزلهما
الشيطان عنها )) : وهذه القراءة مخالفة سواد المصحف المجمع عليه فينبغي أن
تجعل تفسيراً (26) وهكذا الحال بالنسبة إلى بعض
الروايات التي نقلها الإمامية .
ويوجد في كتب أهل السنة الاختلاف في
القراءات أيضاً ، كما ألفت في اختلاف القراءات والمصاحف عشرات الكتب ، راجع كتاب
المصاحف لابن أبي داود السجستاني حول اختلاف المصاحف أو تفسير الزمخشري أو الطبري
أو غير ذلك فسترى شيئاً تتعجب منه قطعاً ، وراجع أمثلة أخرى لاختلاف المصاحف في
كتب أهل السنة مما نذكره من المصادر في الهامش (27)
.
فهذه الاختلافات يرجع أكثرها إلى
التفسير والبيان لا سيما بالنسبة إلى بعض من كان يعتقد بجواز تبديل كلمات القرآن
لأجل توضيحه (28) وإن كان هذا يؤدي بمرور الزمن
إلى القول بالتحريف ولذا لا يجوز ثبت المترادفات في المصحف كما يعتقد أو ينتسب إلى
ابن مسعود .
وأما ما روي عن أهل السنة من أن القرآن
على سبعة أحرف (29) وحملها على جواز قراءة القرآن
، بقراءات مختلفة فمما لا يمكن قبوله نقلاً ولا عقلاً . ذلك لأن الرواية معارضة
لما نقل عنهم أيضاً من أن القرآن نزل على ثلاثة أحرف (30)
.
كما أنها مناقضة لما روي صحيحاً من طريق
الإمامية عن أبي عبد الله عليه السلام لما سأله فضيل بن يسار حول ما روي في نزول
القرآن على سبعة أحرف فقال الإمام عليه السلام : (( كذبوا – أعداء الله – لكنه نزل على حرف
واحد من عند الواحد )) (31) .
كما روي عن أبي جعفر عليه السلام : ((
إن القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة )) (32) .
وأيضاً ينفي تفسير سبعة أحرف بتجويز سبع
قراءات ما روي عن طريق الخاصة من أن المقصود من سبعة أحرف ، أحرف المعاني وهي أمر
وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومَثَل وقَصَص (33) .
وعن طريق العامة نقل عن ابن مسعود في
نزول القرآن على خمسة أحرف وهو حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال (34) . وروي أيضاً عن علي عليه السلام أن القرآن نزل على
أرباع ، ربع حلال ، وربع حرام ، وربع مواعظ ومثل وربع قصص وآثار (35) . ومثل هذه الروايات كثيرة عن أهل السنة (36) .
ومن روى من الشيعة حول نزول القرآن على
سبعة أحرف : إما أنه مجهول (37) وإما غال متهم في
دينه (38) أو كان المقصود منه غير ما ذكره من
تجويز اختلاف القراءات .
وأيضاً فقد ورد في الروايات ما ينكر
اختلاف القراءات مثل : ما رواه أحمد في مسنده : عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال :
(( أقرأني رسول الله سورة الأحقاف فخرجت إلى المسجد فإذا رجل يقرؤها على غير ما
أقرأني فقلت من أقرأك فقال : رسول الله . قال : قلت للآخر اقرأها ، فقرأها على غير
قراءتي وقراءة صاحبي فانطلقت بهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : يا
رسول الله هذان يخالفاني في القراءة فغضب وتعمَّر وجهه وقال صلى الله عليه وآله
وسلم : إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ، قال زر : وعنده صلى الله عليه وآله وسلم
قال : فقال : إن رسول الله يأمركم أن يقرأ كل رجل كما أُقرئ ، فإنما أهلك من كان
قبلكم الاختلاف (39) .
فصريح الرواية نهي النبي صلى الله عليه
وآله وسلم عن الاختلاف في القراءة والغضب من ذلك ، ويتبين من الرواية أن الاختلاف
لم يكن من ناحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل النبي صلى الله عليه وآله
وسلم يؤكد أن هذا الاختلاف هو الذي أهلك الأمم السابقة ولا ينبغي أن يوجد في أمة
الإسلام .
ويقول سيدنا الإمام الخميني قدس سره :
إن الاختلاف في القراءات أمر حادث ، ناشئ عن الاختلاف في الاجتهادات من غير أن يمس
جانب الوحي الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين (40) .
فهذا الاختلاف الذي وجد في عهد النبي
صلى الله عليه وآله وسلم من ناحية بعض الصحابة لاختلاف لهجاتهم مع النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وقبيلته أو وجد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيما بعدما
انتشر الأصحاب في الآفاق فقرؤوا القرآن عند الناس كل واحد منهم على قراءة خاصة في
بعض المواضع من الكتاب هذا الاختلاف هو الذي خاف منه بعض الأصحاب وأوجب على عثمان
أن يجمع الناس على قراءة واحدة وهي القراءة المتواترة عن النبي ويظهر ذلك من
الروايات التالية حول جمع عثمان له :
عن أنس : أن حذيفة بن اليمان قدم على
عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة
اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين ادرك هذه الأمة قبل أن
يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى … فأمر عثمان بجمع
المصاحف (41) .
وأيضاً إن حذيفة قال : غزوت في فتح أرمينية فحضرها أهل العراق
وأهل الشام فإذا أهل الشام يقرؤون على قراءة أبيّ بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل
العراق فتكفرهم أهل العراق ، وإذا أهل العراق يقرؤون بقراءة ابن مسعود فيأتون بما
لم يسمع أهل الشام فتكفرهم أهل الشام . قال زيد : فأمرني عثمان بجمع القرآن (42) .
فإذا كان الاختلاف في القراءة بحيث
ينتهي إلى القول بالتحريف كما اتفق ذلك بالنسبة إلى اليهود والنصارى فهل يجوز
عقلاً أن يجوزوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟! وما معنى قول الطبري : أن أمر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقراءة القرآن على سبعة أحرف ( التي لم يعمل بها
عثمان بل حمل الناس على قراءة واحدة ) أمر رخصة وإيجاب (43)
؟ فلا يمكن أن يكون معنى الحديث هو اختلاف اللهجات والإشارة إلى تباين مستويات
الأداء الناشئة عن اختلاف الألسن وتفاوت التعليم وإلى اختلاف بعض الألفاظ وترتيب
الجمل ولو لم يتغير به المعنى كما اختار ذلك الدكتور عبد الصبور . لأن ذلك عين
القول بالتحريف وهو الذي غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم له وخاف منه حذيفة
وأمر عثمان بجمعه لحفظه من هذه الاختلافات وأيده الإمام أمير المؤمنين وقال : ((
لو وليت لفعلت مثل الذي فعل )) (44) .
والذي يسهل الأمر في أمر القراءات هو
كلام الزركشي : القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان (45)
.
-3ومن الروايات في هذا الباب التي ذكرت
فيها بعض على خلاف ما هو المتواتر ما يشير إلى شأن نزول الآيات وإضافة بعض الكلمات
لتوضيح الآيات . إما من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتوضيح الآية وإضافة
بعض أصحابه في مصحفه ، وإما من قبل نفس الصحابة .
فيقول علي عليه السلام : ولقد جئتهم
بالكتاب مشتملاً على التنزيل والتأويل (46) .
وقيل أن الإمام قد ذكر في مصحفه شأن
نزول الآيات وقد طلب ابن سيرين ذلك المصحف من أجل هذه المطالب التي فيه لكنه لم
يجده .
فالروايات التي ذكر فيها اسم علي عليه
السلام ، بالإضافة إلى إمكان الخدش في سندها ، يمكن أن تكون من هذا القسم ، ويدل
عليه بعض الروايات التي تنفي وجود اسم علي عليه السلام في القرآن :
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام فقلت له إن الناس يقولون : فما له لم يسمّ علياً في القرآن وأهل بيته في
كتاب الله ؟ فقال : فقولوا لهم أن رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله
ثلاثاً وأربعاً حتى كان رسول الله هو الذي فسر لهم ذلك (47)
.
فهذه الرواية صريحة في نفي كون اسم علي
عليه السلام قد ورد في القرآن ، فتحمل الروايات التي ذكرت في بعض الآيات اسم علي
عليه السلام ، على الشرح والتفصيل .
كما أن الإمام الصادق عليه السلام كان
كثيراً ما يقرأ الآية (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل
إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته )) ولكنه لم يقرأ منها ولم يضـف
إليها اسـم علي عليه السلام (48) .
والحال أن أهل السنة أيضاً قد رووا هذه
الآية مع إضافة اسم علي عليه السلام إليها (49)
وأيضاً يدل على ما ذكر رواية أخرى عن أبي الحسن الماضي قال : قلت هذا الذي كنتم به
تكذبون فقال الإمام عليه السلام يعني أمير المؤمنين : قلت : تنزيل ؟ نعم (50) .
فهذا يدل على أن اسم أمير المؤمنين لم
يكن من القرآن بل من التنزيل الذي نزل من عند الله تفسيراً للمراد من الآية (51) . والرواية تدل على ذلك .
وقد صرح أحد علماء الشيعة في القرن
السادس أن من يقول بأن كلمة (( في علي )) كان في القرآن ، فهو ملحد كافر زنديق (52) . ومن مصاديق هذا الباب ما رواه أهل السنة والشيعة
على حد سواء بشأن آية : (( حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى )) حيث أضيف إليها صلاة العصر (53)
.
واضح أن إضافة (( صلاة العصر )) في
المصحف لم يكن بمعنى أنها من الآية ، بل هو تفسير لهذه الكلمة (54) . ولذا قال القاضي رداً على من نسب إلى ابن مسعود
حذف المعوذتين من مصحفه وأن أبيّ بن كعب أضاف إلى مصحفه سورتي الحفر والخلع ، أنه
يمكن أن يكون قد أثبت بعض التأويلات والدعاء في مصحفه ويقول : (( قد ثبت في مصحفه
ما ليـس بقرآن من دعاء أو تأويل )) (55) .
وأيضاً فقد أجاب الباقلاني عن ذلك : ((
بأن الذكر في القنوت المروي أن أبيّ بن كعب قد أثبته في المصحف لم تقم الحجة بأنه
قرآن منزل بل هو ضرب من القرآن وإنه لو كان قرآناً لنقل إلينا وحصل العلم بصحته ))
(56) .
كما أن السيوطي جزم بأن الرواية التي
ذكر فيه الآية :ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم (( في مواسم الحج )) بأنها
قراءة تفسيرية (57) وهكذا بالنسبة إلى إضافات أخرى
التي نقلناها عن المصاحف لابن أبي داود في السابق .
يقول العلامة السيد جعفر مرتضى : إن
كتابة تفسير القرآن ممزوجاً به قد بدأت منه الصدر الأول (58)
.
ويقول القرطبي : … وما يؤثر عن
الصحابة والتابعين أنهم قرؤوا بكذا وكذا إنما ذلك على جهة البيان والتفسير (59) .
وقال ابن الجزري : إنما يدخلون التفسير
في القراءة إيضاحاً وبياناً لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قرآناً فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتب معه (60) .
ونحن هنا نشير إلى السؤال التالي : كيف
يقولون هذا بالنسبة إلى ما رواه كبراؤهم ولا يقولون بنفس هذا الكلام في توجيه ما
روي عن أئمة الشيعة عليهم السلام ( إن صح وثبت عنهم ) . ولكن البعض – وقد يكون بدافع
الاتهام لا الموضوعية – قد ذكر بعض هذه الروايات وزعم أنه قد أثبت أن الشيعة يقولون
بالتحريف .
يقول الفيض الكاشاني : (( ولا يبعد
أيضاً أن يقال : إن بعض المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء
القرآن فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرفوه وغيّروه في تفسيره وتأويلها أعني
حملوه على خلاف ما هو به ، فمعنى قولهم عليهم السلام (( كذا نزلت )) أن المراد به
ذلك لا أنها نزلت مع هذه الزيادات في لفظها فحذف منها ذلك اللفظ )) (61) .
-4ومن الروايات التي ذكر أنها يشم منها
التحريف ، الروايات التي ذكر فيها أن القرآن محرَّف .
ولكننا نقول : إن الروايات التي تقول
بتحريف القرآن إنما تشير إلى التحريف المعنوي لا اللفظي ، بقرينة تصريح رواية أخرى
بذلك :
عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال
عن ثعلبة بن ميمون عن بدر بن الخليل الأسدي نقل رسالة الإمام أبي جعفر عليه السلام
إلى سعد الخير جاء فيها :
(( … وكان من نبذهم
الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ، ولا يرعون ، والجهال يعجبهم
حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ، وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه
الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين ثم ورثوه في
السفه والصبا )) (62) .
فالإمام عليه السلام يصرح بأنهم أقاموا
حروف القرآن ولكن حرفوا حدوده . فعلى ذلك تحمل الروايات التي ورد فيها ذكر تحريف
القرآن . أي أن المراد هو التحريف المعنوي (63)
فمع اعتقاد الصدوق بعدم التحريف ، وذكره
أيضاً هذه الرواية ، نفهم أن المقصود من التحريف ، هو التحريف المعنوي لا اللفظي .
كما ذكر كلمة التمزيق والنبذ بالنسبة
إلى القرآن في بعض الروايات (64) أيضاً يدل على
التحريف المعنوي .
بعد كل ما مر نقول :
إذا وجدت رواية لا يمكن تطبيقها على
واحد من التوجيهات الأربعة التي ذكرنا ، فإنا نعرضها على القرآن . ولما كان القرآن
يصرح بحفظ القرآن له ، فقد وجب أن نضرب هذه الروايات عرض الجدار . وهذا ما أمرنا
به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة البررة الكرام عليهم السلام .
___________________
الهوامش :
(1) الذريعة
إلى تصانيف الشيعة ، ج4 ص303-304 .
(2) معجم
الرجال ، ج3 ص73 و 74 ، وقاموس الرجال ، ج4 ص288 و230 ، وجامع الرواة ، ص339 .
(3) معجم
رجال الحديث ، ج7 ص325 .
(4) تنقيح
المقال ، ج1 ص46 .
(5) معجم
رجال الحديث ، ج7 ص325 .
(6) تأويل
مختلف الحديث ص199 ، سنن الدرامي ج1 ص145 ، مقالات الإسلاميين ج1 ص324 ز 251 ،
ودلائل النبوة ج1 ص26 ، وعون المعبود ج4 ص429 ، كل ذلك عن بحوث مع أهل السنة
والسلفية ص67 و 68 .
(7) دراسات
في الحديث والمحدثين ، ص132 و 134 .
(8) دراسات
في الحديث والمحدثين ، ص137 عن روضات الجنات .
(9) حقايق
هامة حول القرآن الكريم ، ص29 .
(10) مجمع
البيان ، ج1 ص15 ، وأوائل المقالات ص195 الهامش ، وبحار الأنوار ج89 ص75 .
(11) رجال
النجاشي ص80 .
(12) قاموس
الرجال ، ج1 ص608 – 609 وراجع : معجم رجال الحديث ، ج3 ص290 .
(13) قاموس
الرجال ج1 ص608-612 .
(14) معجم
رجال الحديث ج2 ص290 .
(15) رجال
النجاشي ص838 – وخلاصة الرجال للعلامة الحلي ص266 وراجع اختيار معرفة الرجال ص318
. ملحقات .
(16) دراسات
في الحديث والمحدثين ص198 .
(17) خلاصة
الرجال ص251 .
(18) رجال
النجاشي ص238 .
(19) الإمام
زيد بن علي ، ص350 و 351 .
(20) نقلاً
عن كتاب : مع الخطيب في خطوطه العريضة ص49 .
(21) هامش
الأنوار النعمانية ج2 ص363 .
(22) تهذيب
الأصول ج2 ص165 .
(23) الكافي
، ج2 ص219 .
(24) تاريخ
القرآن ، ص81 .
(25) كشف
الارتياب في رد فصل الخطاب ص62 .
(26) البحر
، ج1 ص159 نقلاً عن تاريخ القرآن ص96 .
(27) سنن
أبي داود ، ج2 ص31 إلى 38 ، مصنف ابن أبي شيبة ، ج2 ص504 ، مجمع الزوائد ج7
ص154،155و156 ، سنن الدارقطني ، ج2 ص192 ، المصنف لعبد الرزاق ، ج7 ص312 و ج4 ص242
وج3 ص207 وج8 ص305 و 514 و 560 وج5 ص75 وج1 ص578 و 579 ، تاريخ بغداد ج2 ص189 وج1
ص373 و 372 ، حياة الصحابة ج3 ص506 عن كنز العمال ج2 ص137 ، الطبقات الكبرى ج3
ص371 ، التراتيب الإدارية ج2 ص163 ، تاريخ بغداد ج1 ص303 ، المجروحين ج2 ص269 .
(28) المصنف
، ج11 ص219 .
(29) صحيح
مسلم ج2 ص202 ، 203 ، وصحيح البخاري ج6 ص100 و 111 وج3 ص90 ، صحيح الترمذي ، ج11 ،
ص60-62 ، تفسير الطبري ، ج1 ص9-15 ، وتفسير القرطبي ج1 ص43 .
(30) مصنف
ابن أبي شيبة ، ج10 ص517 .
(31) الكافي
، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ، حديث 13 .
(32) الكافي
، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر حديث 12 . مثل هذه الرواية كثير عن الشيعة راجع
فصل الخطاب ص213 .
(33) رسالة
النعماني في صنوف آي القرآن راجع التمهيد في علوم القرآن ج2 ص94 .
(34) تفسير
الطبري ، ج1 ص24 .
(35) مسند
زيد بن علي رضي الله عنه ص385 .
(36) آلاء
الرحمن ، ص30 و 31 عن المستدرك وابن جرير وابن المنذر والأنباري وراجع البصائر
والذخائر ص130 عن أبي عبيدة ، ومجمع الزوائد ، ج7 ص153 .
(37)،(38)راجع البيان ص195 .
(39) راجع
مسند أحمد ج1 ص419 و 421 .
(40) تهذيب
الأصول ج2 ص165 .
(41) صحيح
البخاري كتاب التفسير ، باب جمع القرآن ، ج2 ص226 ، وتفسير الطبري ج1 ص23 .
(42) تفسير
الطبري ، ج1 ص21 .
(43) تفسير
الطبري ، ج1 ص22 .
(44) البرهان
في علوم القرآن ، ج1 ص240 ، ومناهل العرفان ، ج1 ص255 ، وتاريخ القرآن للزنجاني ،
ص45 ، سعد السعود ، ص278 ، والمصاحف ، ص12 ، وإرشاد الساري ، ج7 ص448 .
(45) تاريخ
القرآن للأبياري ص147-148 .
(46) آلاء
الرحمن ص257 .
(47) أصول
الكافي باب الحجة باب نص الله ورسوله على الأئمة .
(48) راجع
رواياته في الكافي ، وراجع آلاء الرحيم في الرد على تحريف القرآن ص17 ط1381 .
(49) الدر
المنثور ج2 ص298 .
(50) أصول
الكافي كتاب الحجة باب النكت من التنزيل في الولاية .
(51) على
ما نقل عن بعض الأعلام حول معنى التنزيل والرواية أيضاً تدل على ذلك . رك:أوائل
المقالات ، ص53-54 .
(52) نقض
ص180 ، 283 .
(53) تفسير
القمي ، ج1 ص84 ، مصنف ابن أبي شيبة ج2 ص504 ، وراجع الإتقان عن عائشة وكذا ابن
أبي شيبة ج2 ص506 ، ومجمع البيان ج7 ص154 وقال : رجاله ثقات .
(54) قد
صرح بذلك الزركشي في البرهان ج1 ص215 ، مباحث في علوم القرآن ص112 .
(55) البرهان
في علوم القرآن ج2 ص128 .
(56) مناهل
العرفان ج1 ص264 عن الانتصار .
(57) الإتقان
ج1 ص77 .
(58) حقايق
هامة ص243 .
(59) الجامع
لأحكام القرآن ج1 ص85 .
(60) النشر
ج1 ص32 .
(61) تفسير
الصافي ج1 ص52 .
(62) روضة
الكافي ج1 ص76 .
(63) رك:روضة
الكافي ص181 ، الخصال ص93 .
(64) الخصال ، ص83 .
المصدر : أكذوبة تحريف القرآن – رسول جعفريان .
|