القرآن والكتاب
العلامة مرتضى العسكري
القرآن : هو كلام الله الذي نزّله
نجوماً ـ في أوقاتها المعيّنة لانزالها ـ على خاتم أنبيائه محمّد (ص) ، بلغة العرب
ولهجة قريش منهم ، ويقابله الشعر والنثر في الكلام العربي .
وعليه فإنّ الكلام العربي ينقسم إلى قرآن
وشعر ونثر .
وكما أ نّه يقال لديوان
الشاعر : «شعر» ، وللقصيدة في الديوان : «شعر» ، وللبيت
الواحد فيه : «شعر» وللشطر الواحد أيضاً : «شعر» ، كذلك يقال لجميع
القرآن : «قرآن» ، وللسورة الواحدة : «قرآن» ، وللآية الواحدة :
«قرآن» ، وأحياناً لبعض الآية : «قرآن» ، مثل (وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ ) في الآية الثالثة من سورة البقرة . والقرآن بهذا
المعنى ، مصطلح إسلامي وحقيقة شرعيّة . إنّ منشأ هذه الاستعمالات مجيئه
في القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف .
أسماء اُخرى للقرآن (1):
إستخرج العلماء من القرآن أسماء اُخرى
للقرآن الكريم مثل : (الكتاب) و (النور) و (الموعظة)
و (كريم) .
1 ـ الكتاب : لقوله تعالى في سورة
البقرة :
(الم *
ذلِكَ ا لْكِتابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ )
(الآيتان 1 و2)
2 ـ النّور : لقوله تعالى في سورة
النّساء :
(وَأَ نْزَلْنَا
إلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ) ( الآية
174 ) .
3 ـ الموعظة : لقوله تعالى في سورة
يونس :
( ...
قَدْ جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ... )
(الآية 57 ) .
4 ـ كريم : لقوله تعالى في سورة
الواقعة :
(إنَّهُ
لَقُرْآنٌ كريمٌ ) ( الآية
77 ) .
وندرس من الأسماء الآنفة الكتاب فيما
يأتي .
الكـتاب
يظهر بأدنى تدبّر في موارد استعمال
الكتاب في القرآن الكريم بانها جاءت هي ونظائرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البرهان في علوم القرآن للزركشي
( ت : 974 هـ ) ط . القاهرة . النوع الخامس
عشر : معرفة أسمائه (1 / 273 و 276) .
وصفاً للقرآن الكريم ، وليست أسماء
له ، ما عدا الكتاب الذي ليس واضحاً أنه ليس اسماً للقرآن الكريم ، ومن
ثمّ ندرس موارد استعمال لفظ (الكتاب) في اللغّة والقرآن الكريم في ما يأتي بإذنه
تعالى :
جاء استعمال الكتاب في اللّغة والقرآن
لمعان متعددة منها :
أوّلاً ـ
فى اللّغة :
أ ـ
كتب الكتاب كتباً وكتاباً .
أي دوّن حروف الهجاء على أشكال تكون فيها
الكلمات والجمل مثل قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة :
(فَوَيْلٌ
لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ا لْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ
عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُم مِمَّا كَتَبَتْ
أَيْدِيهِمْ )
( الآية
79 ) .
ب ـ
جاء الكتاب مصدراً سمّي به المكتوب فيه ، مثل قوله تعالى في حكاية قول بلقيس
في سورة النمل :
(قَالَتْ يَا أَ يُّهَا
ا لْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ
مِن سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )
( الآيتان 29 و 30 ) .
ثانياً ـ
فى القرآن الكريم :
اُطلِقَ الكتاب في القرآن على التوراة
والإنجيل والقرآن وكلّ كتاب أنزله الله على رسله مثل قوله ـ تعالى ـ في سورة
البقرة :
1 ـ
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
ا لْكِتبَ ... ) ( الآية 87 ) للتوراة .
2 ـ
( ... وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ
ا لْيَهُودُ عَلَى شَيْء وَهُمْ يَتْلُونَ ا لْكِتَابَ )( الآية
113 ) للإنجيل .
3 ـ
(الم * ذلِكَ ا لْكِتابُ لاَ
رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) ( الآيتان 1 ،
2 ) للقرآن الكريم .
4 ـ
( ... فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأ نْزلَ مَعَهُمُ
ا لْكِتابَ ... )( الآية 213 ) أي أنزل مع
كلٍّ منهم كتاباً .
وسمّى اليهود والنصارى أهل الكتاب في
قوله تعالى في سورة المائدة :
(قُلْ
يَا أَهْلَ ا لْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ
وَا لاِْنْجِيلَ ) ( الآية
68 ) .
كان هذا معنى الكتاب الذي يساوي المصحف في
المعنى في اللّغة والقرآن الكريم واشتهر عند النحويين كتاب سيبويه في النحو بـ
(الكتاب) .
قال حاجي خليفة في باب الكتاب من كشف
الظنون :
(كتاب سيبويه في النحو : كان كتاب
سيبويه لشهرته وفضله علَماً عند النحويين ، فكان يقال بالبصرة : وقرأ
فلان الكتاب ، فيُعلم أ نّه كتاب سيبويه ، وقرأ نصف الكتاب ،
فلا يشكّ أ نّه
كتاب سيبويه ... ) .
وشرحه أبو الحسن علي بن محمّد المعروف
بابن خروف النحوي الأندلسي الأشبيلي ( ت : 609 هـ ) ،
وسمّـاه تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب .
وشرح أبو البقاء عبدالله بن الحسين
العكبري البغدادي الحنبلي ( ت : 616 هـ ) أبياته
وسمّـاه : لباب الكتاب .
ولأبي بكر محمّد بن حسن الزبيدي الأندلسي
الأشبيلي ( ت : 380 هـ ) : أبنية
الكتاب (1) .
إذاً فليس (الكتاب) اسماً للقرآن في
القرآن الكريم ولا في عرف المسلمين.
ونستنتج من هذا البحث ونقول :
إنّ العلماء أخطأوا إذ فسّروا ما جاء من
لفظ (الكتاب) أو (كتاب) في محاورات الصحابة بمعنى القرآن ، في حين أنهم قصدوا
من (الكتاب) ما فرض الله على عباده .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كشف الظنون لحاجي خليفة ، مصطفى بن
عبدالله ( ت : 1076 هـ ) تركيا ، (2 / 1427
و 1428) .
وسيبويه ، أو
مبشر ، أو بشر ، عمرو بن عثمان بن قنبر البصري ، مولى بني الحارث
بن كعب . توفي سنة 180 هـ .
|