بركة القرآن الكريم
(مقتطفات من
بياناته للمشاركين في المسابقات الدولية لحفظ وتلاوة وتفسير القرآن الكريم التي
تقام سنوياً في الجمهورية الاسلامية الايرانية).
نشكر الله ونحمده حيث نخطو كل عام خطوة الى الامام.
إننا كنا بعيدين عن القرآن سنوات طويلة، فقد أبعد سلاطين الظلم والحكام الغرباء عن
القرآن هذا البلد القرآني عنه، والحق أننا متخلفون في هذا المجال، فلا تكفي خطوة
واحدة كل عام.
إن القرآن نور ينير الروح والقلب، فلو أنستم بالقرآن لرأيتم أنَ قلوبكم وأرواحكم
منيرة; فببركة القرآن تُزال الكثير من الظلمات والمبهمات من قلب وروح الانسان،
وببركة القرآن يخرج الانسان من ظلمات الأخطاء والاوهام والزلاّت الى نور الهداية.
يقول الباري تعالى: (الله وليّ الذين آمنوا يُخرجُهُم من الظلمات الى النور).
إن القرآن كتاب معرفة، فكثير من أمور الحياة والمستقبل، وفي مجال التكليف الفعلي،
وفي الهدف من الخلق، وكثير من المجالات الاخرى قد تحدث عنها القرآن، فالانسان
مشحون بانواع الجهل، والقرآن يكسبه المعرفة.
إذن القرآن كتاب نور ومعرفة ونجاة وسلامة ورقي وسمو وتقرب الى الله; فمتى نكتسب
هذهِ الامور من القرآن؟
وهل يكفي ان نضع القرآن في جيوبنا؟ وهل يكفي العبور من تحت القرآن عند السفر؟ وهل
تكفي المشاركة في جلسات القرآن فقط؟ أو هل يكفي أن نرتل القرآن او نستمع الى
ترتيله بصوت حسن ونلتذّ به؟ كلا، بل هناك حاجة الى شيء آخر، فما هو هذا الشيء؟ إنه
التدبّر في القرآن، فلا بد من التدبر فيه، والقرآن بنفسه يدعونا في موارد عديدة
الى التدبر; فإن عرفنا كيف نأنس بالقرآن ونتدبر فيه كسبنا كل ما قلناه.
إننا ما زلنا بعيدين عن القرآن فعلينا أن نتقدم; وإن كنتم ترون منذ انتصار الثورة
الاسلامية اهتمام المسؤولين والمخلصين في البلاد بتلاوة وحفظ القرآن ومتابعة
المراسيم القرآنية فإنما ذلك لكي نقترب اكثر من القرآن; فكلما مضى عام ] على عمر
الثورة [ كلما كان اهتمام شعبنا بالقرآن ـ ولله الحمد ـ اكثر شمولية وتجذّراً،
وهذه هي ميزة القرآن الكريم، فكلما ازدادت معرفة المرء به انجذب اليه أكثر.
إننا في بداية الطريق، وحيث إننا نبلغ ستين مليون نسمة تقريباً، فكم عدد الذين
لديهم معرفة بالقرآن؟ على سبيل المثال لو كان من بين الستين مليون نسمة عشرة
ملايين لم يتعرفوا على القرآن لأي سبب كان سواء العمر أو غيره، فيبقى خمسون
مليوناً، فكلما نقص عدد العارفين بالقرآن عن الخمسين مليوناً كنا متأخرين، فيجب
ملء هذا الفراغ.
لقد
كان الطريق ـ طريق معرفة القرآن الكريم ـ مغلقاً بوجه الشعب قبل انتصار الثورة
الاسلامية، لكن الثورة فتحت ذلك الطريق، فانطلق ابناء الشعب فيه، والتحق الناس ـ
ولا سيما الشباب ـ بهذهِ القافلة، والآن جاء دور الاحداث، فلننظر كم لهم من حضور
في مجالس القرآن؟ ولماذا جاءوا اليها؟ وما الذي جرّهم الى هذهِ المجالس القرآنية؟
إنه لا شيء سوى الفطرة الايمانية المتجذرة في اعماق هذهِ الامة، والروح القرآنية
الحاكمة في هذه البلد، وجاذبية القرآن، فيجب أن يزداد هذا الامر يوماً بعد يوم.
لقد قلت مراراً إنه لو أردنا أن يكون جميع الشعب في المستوى المتوسط، فيجب أن تكون
هناك مجموعة على مستوى عال، وعدد آخر أقل على مستوىً أعلى. فميزة الأفضلين جذب
المتوسطين وتطوير مستواهم، وعلى هذا الاساس يزداد تدريجياً عدد القراء وذوي
الاصوات الحسنة والحفاظ والمتبحرين في القرآن كماً وكيفاً.
وما اود قوله لقراء القرآن الاعزاء هو ألا يقنعوا بحد معين، لأن بإمكانهم أن
يطوروا انفسهم اينما كانوا، فما زال هناك فاصل في المستوى بين قرائنا الاعزاء
وقراء العالم الممتازين من الموجودين على قيد الحياة والمتوفين منهم.
بالطبع إن قراءنا افضل من قراء الكثير من الدول وحتى من بعض القراء المعروفين، لكن
الفاصل كبير بينهم وبين القراء الممتازين; فيجب أن يبلغوا مستواهم بل يسبقوهم
لأنهم شباب ثوريون، والاجواء القرآنية سائدة في البلد وجميع الاسباب مهيئة، فلا
داع للتخلف والتأخر.
وبناءً على ذلك لا يمكن أن نقنع بحد معين، بل يجب أن نطوّر أنفسنا من حيث الصوت
والمعنى واللحن وفن التلاوة الحسنة ـ وهذا الاخير يختلف عن سوابقه ـ،
وعلى حفاظ القرآن السعي للابقاء على محفوظاتهم، لانها تزول، فليسعوا لئلا تزول،
فهذهِ نعمة عظيمة، وعلى قرّاء القرآن وذوي الاصوات الحسنة السعي ليكونوا حفّاظاً
للقرآن، ليكتملوا اكثر وليعينهم على التلاوة ايضاً; إن تلاوة القرآن بصوت حسن أمر
جيد جداً، فقد رُوي أن الناس عندما كانوا يمرون أمام بيت أحد الامامين السجاد او
الباقر عليهما السلام، تجذبهم تلاوتهما عليهما السلام، فيمكثون في اماكنهم حتى
ينهي الامام تلاوته فينصرف الناس; فتلاوة القرآن بصوت حسن، وبآدابه الخاصة،
وبأسلوب ونغمة وطريقة خاصة حسن ويقرب الانسان الى الله تعالى. لكنها غير كافية،
ولنضرب لذلك مثلاً يقربنا من المعنى المقصود; لنتصوّر القرآن الكريم عمارة واسعة
وعظيمة ذات غرف وطبقات مختلفة، ولهذهِ العمارة باب ومدخل، فان كان المدخل جميلاً،
رغب الناس في دخول هذهِ العمارة.
كذلك فإن مدخل هذا البناء الرفيع هو هذهِ التلاوة الجيّدة، فالتلاوة الجيدة شيء
لازم، وإنني أشجِّع وأبجِّل الذين اذاقونا حلاوة القرآن بتلاواتهم الجيّدة، وعلى
قرائنا الشباب واليافعين الاعزاء في ايران أن يتعلموا من هؤلاء الاساتذة القدامى
الذين قدموا من الخارج وبالخصوص من مصر والبلدان الاسلامية الاخرى، فقد تلوا
القرآن تلاوة حسنة، لكن كل هذهِ مقدمة لدخول ذلك البناء العظيم والرفيع، فلابد من
دخول هذا البناء ولا بد من حفظ القرآن. انني رأيت أطفالنا الصغار قد حفظوا من
القرآن خصائص تتعلق بالآية والسورة والصفحة والسطر، وهذا عمل مثير وجميل جداً،
ولابد من تكريم آبائهم وأمهاتهم الذين سعوا لتربيتهم هكذا; وبهذا الصدد يجب أن
اشير الى أنه ليس من اللزوم معرفة عدد الحروف او الكلمات، فلا تشغلوا اذهان
الاطفال بهذهِ الاعداد الكمبيوترية، فما الداعي لمعرفة عدد حروف هذهِ السورة. نعم
كانت الحاجة في يوم ما الى ذلك خوفاً من التحريف، لكن اليوم وقد طبع القرآن آلاف
الطبعات، فمن يتجرأ أن ينقص حرفاً من القرآن او يزيد عليه؟ فبدلاً من حفظ هذهِ
الاشياء ليتدربوا مثلاً على حفظ نهاية الآيات فيعلموا مثلاً من (وهو السميع
العليم) كم مرة جاءت كلمة (سميع) او (عليم)؟ وكم مرة جاءتا معاً؟ فلهذا أثر في فهم
معاني الآيات. ومن باب المثال كم مرة تكررت كلمة (الوحي)؟ وفي كم آية أشير الى ان
القرآن يوحى الى النبي صلى الله عليه وآله؟ وما عدد الآيات التي تحدثت عن الوحي في
السورة التي يريد أن يتلوها القارئ، فهذهِ الامور مهمة، ولكن أن يحفظ رقم الصفحة
التي وردت فيها الآية، فهذا غير مهم; فإنه ليس لدينا مصحف واحد بل مئات المصاحف المطبوعة،
فقد ترد آية في الصفحة (325) في إحدى طبعات القرآن وفي آخر في صفحة اُخرى.
فليتعلم الاطفال الامور اللازمة والمفيدة التي تقربهم الى فهم معاني القرآن،
لتترسخ في اذهانهم كالنقش على الحجر، وتعود عليهم بالبركة الى آخر العمر.
وهكذا ينمو المجتمع الاسلامي، ويحفظ تماسكه ويضمن استقلاله، وهكذا يتوجه مسلمو
العالم للبحث عن طريق الهداية في الاسلام، واليوم قد عرف الناس أن طريق الهداية
يكمن في الاسلام، فلابد من حثهم على ذلك.
لا سيما وأن بلادنا قائمة على نشر المعارف القرآنية، والنظام الاسلامي دائب على
نشر وتوسيع نطاق هذهِ المعارف بين الناس حتى يأتي اليوم الذي يكون فيه هذا البلد
غير قابل للهزيمة باذن الله.
| |